الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح منتهى الإرادات ***
لُغَةً: الْإِمْسَاكُ يُقَالُ: صَامَ النَّهَارَ إذَا وَقَفَ سَيْرُ الشَّمْسِ وَلِلسَّاكِتِ: صَائِمٌ، لِإِمْسَاكِهِ عَنْ الْكَلَامِ وَمِنْهُ {إنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} أَيْ: سُكُوتًا وَإِمْسَاكًا عَنْ الْكَلَامِ، وَصَامَ الْفَرَسُ: أَمْسَكَ عَنْ الْعَلَفِ وَهُوَ قَائِمٌ، أَوْ عَنْ الصَّهِيلِ فِي مَوْضِعِهِ وَشَرْعًا (إمْسَاكٌ بِنِيَّةٍ عَنْ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ) وَهِيَ مُفْسِدَاتُهُ وَتَأْتِي (فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ) وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ (مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ) هُوَ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ غَيْرُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ (وَصَوْمُ) شَهْرِ (رَمَضَانَ فَرْضٌ) اُفْتُرِضَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ إجْمَاعًا، فَصَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ إجْمَاعًا، وَالْأَصْلُ فِي فَرْضِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَسُمِّيَ شَهْرُ الصَّوْمِ رَمَضَانَ، قِيلَ: لِحَرِّ جَوْفِ الصَّائِمِ فِيهِ، وَرَمَضِهِ، وَالرَّمْضَاءُ: شِدَّةُ الْحَرِّ، أَوْ أَنَّهُ وَافَقَ هَذَا الشَّهْرُ أَيَّامَ شِدَّةِ الْحَرِّ وَرَمَضِهِ، حِينَ نَقَلُوا أَسْمَاءَ الشُّهُورِ عَنْ اللُّغَةِ الْقَدِيمَةِ، أَوْ لِأَنَّهُ يُحْرِقُ الذُّنُوبَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَالْمُسْتَحَبُّ قَوْلُ: شَهْرُ رَمَضَانَ، كَمَا فِي الْآيَةِ، وَلَا يُكْرَهُ قَوْلُ: رَمَضَانَ، بِلَا شَهْرٍ، كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَخْبَارِ. و(يَجِبُ) صَوْمُهُ (بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ) لِحَدِيثِ {صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ} وَيُسْتَحَبُّ تَرَائِي الْهِلَالِ وَقَوْلُ رَاءٍ مَا وَرَدَ، وَمِنْهُ حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ} رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَفْظُهُ: قَالَ {اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى رَبِّي وَرَبُّك اللَّهُ}. (فَإِنْ لَمْ يُرَ) الْهِلَالُ (مَعَ صَحْوِ لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لَمْ يَصُومُوا) يَوْمَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَيْ: كُرِهَ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ الشَّكِّ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ (وَإِنْ حَالَ دُونَ مَطْلَعِهِ) أَيْ: الْهِلَالِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ (غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ) بِالتَّحْرِيكِ الْغَبَرَةُ. كَالْقَتَرَةِ (أَوْ غَيْرِهِمَا) أَيْ: الْغَيْمِ وَالْقَتَرِ كَالدُّخَانِ، وَكَذَا الْبَعْدُ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ (وَجَبَ صِيَامُهُ) أَيْ: يَصُومُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ (حُكْمًا ظَنِّيًّا احْتِيَاطًا) لِلْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ (بِنِيَّةِ) أَنَّهُ مِنْ (رَمَضَانَ) فِي قَوْلِ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ وَمُعَاوِيَةَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ ابْنَتَيْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ لِحَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ}. قَالَ نَافِعٌ " كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا يَبْعَثُ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ الْهِلَالَ فَإِنْ رُئِيَ فَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يُرَ، وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا " وَمَعْنَى " اُقْدُرُوا لَهُ " ضَيِّقُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} و(قَدِّرْ فِي السَّرْدِ) وَالتَّضْيِيقِ: جَعَلَ شَعْبَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ رَاوِيهِ وَأَعْلَمُ بِمَعْنَاهُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ، كَتَفْسِيرِ التَّفَرُّقِ مِنْ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَقَدْ صَنَّفَ أَصْحَابٌ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّصَانِيفَ، وَنَصَرُوا الْمَذْهَبَ، وَرَدُّوا حُجَجَ الْمُخَالِفِ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ، وَإِنْ اشْتَغَلُوا عَنْ التَّرَائِي لِعَدُوٍّ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ نَحْوِهِ فَذَلِكَ نَادِرٌ، فَيُسْحَبُ عَلَيْهِ ذَيْلُ الْغَالِبِ، وَفَارَقَ الْغَيْمَ وَالْقَتَرَ فَإِنَّ وُقُوعَهُمَا غَالِبٌ، وَقَدْ اسْتَوَى مَعَهُمَا الِاحْتِمَالَانِ، فَعَمِلْنَا بِأَحْوَطِهِمَا، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. (وَيُجْزِئُ) صَوْمُ هَذَا الْيَوْمِ (إنْ ظَهَرَ) أَنَّهُ (مِنْهُ) أَيْ: رَمَضَانَ بِأَنْ ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ بِمَوْضِعٍ آخَرَ، لِأَنَّ صَوْمَهُ وَقَعَ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ لِمُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ، أَشْبَهَ الصَّوْمَ لِلرُّؤْيَةِ (وَتُثْبَتُ) تَبَعًا لِوُجُوبِ صَوْمِهِ (أَحْكَامُ صَوْمِ) رَمَضَانَ (مِنْ صَلَاةِ تَرَاوِيحَ) احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَعَدَ مَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ بِالْغُفْرَانِ " وَلَا يَتَحَقَّقُ قِيَامُهُ كُلُّهُ إلَّا بِذَلِكَ (وَ) كَ (وُجُوبِ كَفَّارَةٍ بِوَطْءٍ فِيهِ) أَيْ: ذَلِكَ الْيَوْمِ (وَنَحْوِهِ) كَوُجُوبِ إمْسَاكٍ عَلَى مَنْ أَكَلَ فِيهِ جَاهِلًا، أَوْ لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ (مَا لَمْ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ) بِأَنْ لَمْ يُرَ مَعَ صَحْوٍ بَعْدَ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي غَمَّ فِيهَا هِلَالُ رَمَضَانَ، فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ بِالْوَطْءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ و(لَا) تُثْبَتُ (بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ) الشَّهْرِيَّةِ بِالْغَيْمِ، فَلَا يَحِلُّ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ بِهِ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَعِتْقٌ مُعَلَّقَيْنِ بِهِ، وَلَا تَنْقَضِي عِدَّةٌ، وَلَا مُدَّةُ إيلَاءٍ بِهِ وَنَحْوِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، خُولِفَ لِلنَّصِّ، وَاحْتِيَاطًا لِعِبَادَةٍ عَامَّةٍ (وَكَذَا) أَيْ: كَرَمَضَانَ فِي وُجُوبِ صَوْمِهِ إذَا غُمَّ هِلَالٌ (حُكْمُ شَهْرٍ) مُعَيَّنٍ (نُذِرَ صَوْمُهُ، أَوْ) نُذِرَ (اعْتِكَافُهُ فِي وُجُوبِ الشُّرُوعِ) فِي الْمَنْذُورِ فِيهِ (إذَا غُمَّ هِلَالُهُ) أَيْ: الشَّهْرِ الْمَنْذُورِ احْتِيَاطًا لَا فِي تَرَاوِيحَ أَوْ وُجُوبِ كَفَّارَةٍ بِوَطْءٍ فِيهِ، وَإِمْسَاكٍ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيَّتَ النِّيَّةَ وَنَحْوَهُ، لِخُصُوصِ ذَلِكَ بِرَمَضَانَ. وَإِنْ صَامَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَلَوْ لِحِسَابٍ أَوْ نُجُومٍ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَلَوْ بَانَ مِنْهُ. (وَالْهِلَالُ الْمَرْئِيُّ نَهَارًا وَلَوْ) رُئِيَ (قَبْلَ الزَّوَالِ) فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ فِي آخِرِهِ (لِ) لَيْلَةِ (الْمُقْبِلَةِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهَا لَيْلَةٌ رُئِيَ الْهِلَالُ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا فَلَا يُجْعَلُ لَهَا، كَمَا لَوْ رُئِيَ آخِرَ النَّهَارِ. وَالْهِلَالُ يَخْتَلِفُ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَالْعُلُوِّ وَالِانْخِفَاضِ، وَقُرْبِهِ مِنْ الشَّمْسِ اخْتِلَافًا شَدِيدًا لَا يَنْضَبِطُ، فَيَجِبُ طَرْحُهُ وَالْعَمَلُ بِمَا عَوَّلَ الشَّرْعُ عَلَيْهِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ مَرْفُوعًا {مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَرَوْا الْهِلَالَ يَقُولُونَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ} (وَإِذَا ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ) أَيْ: هِلَالِ رَمَضَانَ (بِبَلَدٍ لَزِمَ الصَّوْمُ جَمِيعَ النَّاسِ) لِحَدِيثِ {صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ} وَهُوَ خِطَابٌ لِلْأُمَّةِ كَافَّةً؛ وَلِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مِنْهُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَحُلُولِ دَيْنٍ وَوُقُوعِ طَلَاقٍ، وَعِتْقٍ مُعَلَّقَيْنِ بِهِ وَنَحْوِهِ، فَكَذَا حُكْمُ الصَّوْمِ، وَلَوْ قُلْنَا بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ، وَلِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمُ نَفْسِهِ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا لِمَشَقَّةِ تَكَرُّرِهَا، بِخِلَافِ الْهِلَالِ، فَإِنَّهُ فِي السَّنَةِ مَرَّةٌ (وَإِنْ ثَبَتَتْ) رُؤْيَةُ هِلَالِ رَمَضَانَ (نَهَارًا) وَلَمْ يَكُونُوا بَيَّتُوا النِّيَّةَ لِنَحْوِ غَيْمٍ (أَمْسَكُوا) عَنْ مُفْسِدَاتِ الصَّوْمِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ (وَقَضَوْا) ذَلِكَ الْيَوْمَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَصُومُوهُ (كَمَنْ أَسْلَمَ) فِي أَثْنَاءِ نَهَارٍ (أَوْ عَقَلَ) مِنْ جُنُونٍ (أَوْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ) فِي أَثْنَاءِ نَهَارٍ، فَيَجِبُ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ (أَوْ تَعَمَّدَ مُقِيمٌ) الْفِطْرَ (أَوْ) تَعَمَّدَتْ (طَاهِرَةٌ الْفِطْرَ فَسَافَرَ) الْمُقِيمُ بَعْدَ فِطْرِهِ عَمْدًا (أَوْ حَاضَتْ) الطَّاهِرَةُ بَعْدَ فِطْرِهَا عَمْدًا لَزِمَهَا إمْسَاكُ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَعَ الْحَيْضِ وَالسَّفَرِ نَصًّا، عُقُوبَةً، وَالْقَضَاءُ (أَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ أَوْ بَرِيءَ مَرِيضٌ مُفْطِرَيْنِ) فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ لَزِمَهُمَا الْإِمْسَاكُ لِزَوَالِ الْمُبِيحِ لِلْفِطْرِ أَوْ الْقَضَاءُ. (أَوْ بَلَغَ صَغِيرٌ) ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى (فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ: يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ مُفْطِرٌ لَزِمَهُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ لِتَكْلِيفِهِ وَالْقَضَاءُ (مَا لَمْ يَبْلُغْ) الصَّغِيرُ (صَائِمًا بِسِنٍّ أَوْ احْتِلَامٍ، وَقَدْ نَوَى) الصَّوْمَ (مِنْ اللَّيْلِ فَيُتِمُّ) صَوْمَهُ (وَيُجْزِئُ) عَنْهُ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ (كَنَذْرِ إتْمَامِ نَفْلٍ) بِخِلَافِ صَلَاةٍ وَحَجٍّ بَلَغَ فِيهِمَا غَيْرَ مَا يَأْتِي فِي الْحَجِّ (وَإِنْ عَلِمَ مُسَافِرٌ) بِرَمَضَانَ (أَنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا) بَلَدَ قَصْدِهِ (لَزِمَهُ الصَّوْمُ) نَصًّا كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، وَعَلِمَ يَوْمَ قُدُومِهِ فَيَنْوِيهِ مِنْ اللَّيْلِ (لَا صَغِيرٌ عَلِمَ أَنَّهُ يَبْلُغُ غَدًا) بِرَمَضَانَ، فَلَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ مِنْ أَوَّلِ الْغَدِ (لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ) قَبْلَ دُخُولِ الْغَدِ، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُقْبَلُ فِيهِ أَيْ: هِلَالِ رَمَضَانَ وَحْدَهُ خَبَرُ مُكَلَّفٍ لَا مُمَيِّزٍ (عَدْلٍ) نَصًّا، لَا مَسْتُورٍ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ {جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: رَأَيْت الْهِلَالَ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوهُ غَدًا} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ {تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْته فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ لَا تُهْمَةَ فِيهِ، بِخِلَافِ آخِرِ الشَّهْرِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُخْبِرُ بِهِ (عَبْدًا أَوْ أُنْثَى) كَالرِّوَايَةِ (أَوْ) كَانَ إخْبَارُهُ (بِدُونِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ) لِلْخَبَرَيْنِ (وَلَا يَخْتَصُّ) ثُبُوتُهُ (بِحَاكِمٍ) فَيَلْزَمُ الصَّوْمُ مَنْ سَمِعَ عَدْلًا يُخْبِرُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ، وَلَوْ رَدَّهُ حَاكِمٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِحَالِ الْمُخْبِرِ، وَقَدْ يَجْهَلُ الْحَاكِمُ مَنْ يَعْلَمُ غَيْرُهُ عَدَالَتَهُ (وَتَثْبُتُ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ) مِنْ حُلُولِ دُيُونٍ وَنَحْوِهَا تَبَعًا، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الشُّهُورِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا إلَّا رَجُلَانِ عَدْلَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، كَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، وَالْفَرْقُ: الِاحْتِيَاطُ لِلْعِبَادَةِ (فَلَوْ صَامُوا) أَيْ: النَّاسُ (ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ) يَوْمًا (ثُمَّ رَأَوْهُ) أَيْ هِلَالَ شَوَّالٍ (قَضَوْا يَوْمًا) وَاحِدًا (فَقَطْ) نَصًّا، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَلِبُعْدِ الْغَلَطِ بِيَوْمَيْنِ (وَ) إنْ صَامُوا (بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ) عَدْلَيْنِ (ثَلَاثِينَ) يَوْمًا (وَلَمْ يَرَوْهُ) أَيْ: هِلَالَ شَوَّالٍ (أَفْطَرُوا) مَعَ الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ، لِأَنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلَيْنِ يَثْبُتُ بِهَا الْفِطْرُ ابْتِدَاءً، فَتَبَعًا لِثُبُوتِ الصَّوْمِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُمَا أَخْبَرَا بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ عَنْ يَقِينٍ وَمُشَاهَدَةٍ، فَلَا يُقَابِلُهَا الْإِخْبَارُ بِنَفْيٍ وَعَدَمٍ لَا يَقِينَ مَعَهُ لِاحْتِمَالِ حُصُولِ الرُّؤْيَةِ بِمَكَانٍ آخَرَ. و(لَا) يُفْطِرُونَ إنْ صَامُوا (ب) شَهَادَةِ (وَاحِدٍ) ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَرَوْهُ لِحَدِيثِ {وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا} وَلِأَنَّ الْفِطْرَ لَا يَسْتَنِدُ إلَى شَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِلَالِ شَوَّالٍ، بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ، لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْقَرَائِنِ (وَلَا) إنْ صَامُوا (لِغَيْمٍ) ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَرَوْهُ فَلَا يُفْطِرُونَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا كَانَ احْتِيَاطًا فَمَعَ مُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ - وَهُوَ بَقَاء رَمَضَانَ - أَوْلَى (فَلَوْ غُمَّ) الْهِلَالُ (لِشَعْبَانَ) وَغُمَّ أَيْضًا (لِرَمَضَانَ وَجَبَ تَقْدِيرُ رَجَبٍ، وَ) تَقْدِيرُ (شَعْبَانَ نَاقِصَيْنِ) احْتِيَاطًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ (فَلَا يُفْطِرُوا قَبْلَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ) يَوْمًا (بِلَا رُؤْيَةٍ) لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا كَانَ احْتِيَاطًا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ رَمَضَانَ (وَكَذَا الزِّيَادَةُ) أَيْ: زِيَادَةُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ عَلَى الصَّوْمِ الْوَاجِبِ (لَوْ غُمَّ) الْهِلَالُ (لِرَمَضَانَ وَشَوَّالٍ، و) صُمْنَا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ، ثُمَّ (أَكْمَلْنَا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ) أَيْ: فَرْضَاهُمَا كَامِلَيْنِ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ. (وَ) بَانَ أَنَّهُمَا (كَانَا نَاقِصَيْنِ) قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَعَلَى هَذَا فَقِسْ، إذَا غُمَّ هِلَالُ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ، أَيْ: فَلَا يُفْطِرُوا قَبْلَ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ بِلَا رُؤْيَةٍ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَالُوا - يَعْنِي الْعُلَمَاءَ - لَا يَقَعُ النَّقْصُ مُتَوَالِيًا فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. (وَمَنْ رَآهُ) أَيْ: الْهِلَالَ (وَحْدَهُ لِشَوَّالٍ. لَمْ يُفْطِرْ) لِحَدِيثِ {الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحُّونَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ مَعْنَاهُ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَهُوَ وَإِنْ اعْتَقَدَهُ مِنْ شَوَّالٍ يَقِينًا فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْيَقِينُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، لِجَوَازِ أَنَّهُ خُيِّلَ إلَيْهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَّهَمَ فِي رُؤْيَتِهِ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ وَمُوَافَقَةً لِلْجَمَاعَةِ، وَالْمُنْفَرِدُ بِمَفَازَةٍ يَبْنِي عَلَى يَقِينِ رُؤْيَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ مُخَالَفَةَ الْجَمَاعَةِ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ. وَإِنْ رَآهُ عَدْلَانِ وَلَمْ يَشْهَدَا عِنْدَ حَاكِمٍ، أَوْ شَهِدَا، فَرَدَّهُمَا جَهْلًا بِحَالِهِمَا لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا وَلَا لِمَنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُمَا الْفِطْرُ عِنْدَ الْمَجْدِ، وَجَزَمَ الْمُوَفَّقُ بِالْجَوَازِ، وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ. (وَ) مَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ (لِرَمَضَانَ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَجَمِيعُ أَحْكَامِ الشَّهْرِ، مِنْ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَغَيْرِهِمَا) كَظِهَارٍ (مُعَلَّقٍ بِهِ) لِأَنَّهُ يَوْمٌ عَلِمَهُ مِنْ رَمَضَانَ، فَلَزِمَهُ حُكْمُهُ، كَاَلَّذِي بَعْدَهُ وَإِنَّمَا جَعَلَ مِنْ شَعْبَانَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ظَاهِرًا لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ وَيَلْزَمُهُ إمْسَاكُهُ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ وَالْكَفَّارَةُ إنْ جَامَعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عُقُوبَةً مَحْضَةً، بَلْ عِبَادَةً، أَوْ فِيهَا شَائِبَتُهَا (وَإِنْ اشْتَبَهَتْ الْأَشْهُرُ عَلَى مَنْ أُسِرَ، أَوْ طُمِرَ، أَوْ) عَلَى مَنْ (بِمَفَازَةٍ وَنَحْوِهَا) كَمَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ كُفْرٍ، وَعَلِمَ وُجُوبَ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَدْرِ أَيَّ الشُّهُورِ يُسَمَّى رَمَضَانَ (تَحَرَّى) أَيْ: اجْتَهَدَ (وَصَامَ) مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ رَمَضَانُ لِأَمَارَةٍ، لِأَنَّهُ غَايَةُ جَهْدِهِ (وَيُجْزِئُهُ) الصَّوْمُ (إنْ شَكَّ هَلْ وَقَعَ) صَوْمُهُ (قَبْلَهُ) أَيْ: رَمَضَانَ (أَوْ بَعْدَهُ) كَمَنْ تَحَرَّى فِي غَيْمٍ وَصَلَّى، وَشَكَّ هَلْ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ صَامَ أَوْ صَلَّى قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ (كَمَا لَوْ وَافَقَهُ) أَيْ: وَافَقَ صَوْمُهُ رَمَضَانَ (أَوْ) وَافَقَ (مَا بَعْدَهُ) مِنْ الشُّهُورِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ بِالِاجْتِهَادِ فِي مَحَلِّهِ، فَإِذَا أَصَابَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ أَجْزَأَهُ، كَالْقِبْلَةِ إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَى مُسَافِرٍ (لَا إنْ وَافَقَ) صَوْمُهُ رَمَضَانَ (الْقَابِلَ، فَلَا يُجْزِئُ) الصَّوْمُ (عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ: الرَّمَضَانَيْنِ لِاعْتِبَارِ نِيَّةِ التَّعْيِينِ (وَ) إنْ صَامَ شَوَّالًا أَوْ ذَا الْحِجَّةِ، فَإِنَّهُ (يَقْضِي مَا وَافَقَ عِيدًا أَوْ أَيَّامَ تَشْرِيقٍ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا عَنْ رَمَضَانَ (وَلَوْ صَامَ) مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْأَشْهُرُ (شَعْبَانَ ثَلَاثَ سِنِينَ مُتَوَالِيَةً، ثُمَّ عَلِمَ) الْحَالَ (قَضَى مَا فَاتَ) وَهُوَ رَمَضَانُ ثَلَاثَ سِنِينَ قَضَاءً (مُرَتَّبًا شَهْرًا عَلَى إثْرِ شَهْرٍ) بِالنِّيَّةِ كَالْفَائِتَةِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: مَا يَأْتِي فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ: أَنْ لَا يُؤَخِّرَهُ عَنْ شَعْبَانَ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ، بَلْ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ نَصًّا (وَيَجِبُ) صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ} فَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي أَثْنَائِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ مَا مَضَى مِنْ الْأَيَّامِ لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ " قَدِمُوا عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ وَضُرِبَ عَلَيْهِمْ قُبَّةٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا صَامُوا مَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ " وَلَا كُلُّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ (قَادِرٍ) عَلَى صَوْمٍ لَا عَلَى عَاجِزٍ عَنْهُ لِنَحْوِ مَرَضٍ، لِلْآيَةِ (مُكَلَّفٍ) فَلَا يَجِبُ عَلَى صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ لِحَدِيثِ {رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ} (لَكِنْ عَلَى وَلِيِّ صَغِيرٍ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (مُطِيقٍ) لِلصَّوْمِ (أَمْرُهُ بِهِ وَضَرْبُهُ عَلَيْهِ) أَيْ: الصَّوْمِ (لِيَعْتَادَهُ) إذَا بَلَغَ، وَقَالَ الْمَجْدُ: لَا يُؤَاخَذُ بِهِ، وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ الْعَشْرِ كَالصَّلَاةِ (وَمَنْ عَجَزَ عَنْهُ) أَيْ: الصَّوْمِ (لِكِبَرٍ) كَشَيْخٍ هَرِمٍ وَعَجُوزٍ يُجْهِدُهُمَا الصَّوْمُ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةً شَدِيدَةً (أَوْ) عَجَزَ عَنْهُ لِ (مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَفْطَرَ، وَعَلَيْهِ) أَيْ: مَنْ عَجَزَ عَنْهُ لِكِبَرٍ، أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ إنْ كَانَ أَفْطَرَهُ (لَا مَعَ عُذْرٍ مُعْتَادٍ كَسَفَرٍ) إطْعَامٌ (عَنْ كُلِّ يَوْمٍ لِمِسْكِينٍ مَا) أَيْ: طَعَامٌ (يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ) مُدٌّ مِنْ بُرٍّ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ: هِيَ لِلْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - فَذَكَرَهُ، وَأَلْحَقَ بِهِ مَنْ لَا يُرْجَى بُرْءُ مَرَضِهِ، فَإِنْ كَانَ الْعَاجِزُ عَنْهُ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ مُسَافِرًا فَلَا فِدْيَةَ لِفِطْرِهِ لِعُذْرٍ مُعْتَادٍ، وَلَا قَضَاءَ لِعَجْزِهِ عَنْهُ فَيُعَايَى بِهَا (وَمَنْ أَيِسَ) مِنْ بُرْئِهِ (ثُمَّ قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ) مَا أَفْطَرَهُ لِمَرَضِهِ (فَكَمَغْصُوبٍ) عَجَزَ عَنْ حَجٍّ (وَأَحَجَّ عَنْهُ، ثُمَّ عُوفِيَ) فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا أَفْطَرَهُ، وَأَخْرَجَ فَدِيَتَهُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ. (وَسُنَّ فِطْرٌ، وَكُرِهَ صَوْمُ) مُسَافِرٍ (سَفَرَ قَصْرٍ وَلَوْ بِلَا مَشَقَّةٍ) لِحَدِيثِ {لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَزَادَ {عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا} وَإِنْ صَامَ أَجْزَأَهُ نَصًّا لِحَدِيثِ {هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ. (فَلَوْ سَافَرَ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بِرَمَضَانَ (لِيُفْطِرَ) فِيهِ (حُرِّمَا) أَيْ: السَّفَرُ وَالْإِفْطَارُ، أَمَّا الْفِطْرُ فَلِعَدَمِ الْعُذْرِ الْمُبِيحِ وَهُوَ السَّفَرُ الْمُبَاحُ، وَأَمَّا السَّفَرُ فَلِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْفِطْرِ الْمُحَرَّمِ. (وَ) سُنَّ فِطْرٌ وَكُرِهَ صَوْمٌ (لِخَوْفِ مَرَضٍ بِعَطَشٍ أَوْ غَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرِيضِ، لِتَضَرُّرِهِ بِالصَّوْمِ. وَسُنَّ فِطْرٌ (وَ) كُرِهَ صَوْمٌ ل (خَوْفِ مَرِيضٍ وَحَادِثٍ بِهِ فِي يَوْمِهِ) مَرَضٌ (ضَرَرًا بِزِيَادَتِهِ أَوْ طُولِهِ) أَيْ: الْمَرَضِ (بِقَوْلِ) طَبِيبٍ مُسْلِمٍ (ثِقَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} إلَى قَوْلِهِ {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ}. وَيُبَاحُ الْفِطْرُ لِمَرِيضٍ قَادِرٍ عَلَى صَوْمٍ يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ التَّدَاوِي، وَلَا يُمْكِنُهُ فِيهِ كَمَنْ بِهِ رَمَدٌ يَخَافُ بِتَرْكِ الِاكْتِحَالِ، وَكَاحْتِقَانٍ، وَمُدَاوَاةِ مَأْمُومَةٍ أَوْ جَائِفَةٍ. (وَجَازَ وَطْءٌ لِمَنْ بِهِ مَرَضٌ يَنْتَفِعُ بِهِ) أَيْ: الْوَطْءِ (فِيهِ) أَيْ: الْمَرَضِ كَالْمُدَاوَاةِ (أَوْ) بِهِ (شَبَقٌ وَلَمْ تَنْدَفِعْ شَهْوَتُهُ بِدُونِهِ) أَيْ: الْوَطْءِ (وَيَخَافُ تَشَقُّقَ أُنْثَيَيْهِ) إنْ لَمْ يَطَأْ (وَلَا كَفَّارَةَ) نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ، فَإِنْ انْدَفَعَتْ شَهْوَتُهُ بِدُونِهِ، لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَيَقْضِي) عَدَدَ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ الْأَيَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ) الْقَضَاءُ عَلَيْهِ (لِشَبَقٍ فَيُطْعِمُ) لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا (كَكَبِيرٍ) عَاجِزٍ عَنْ صَوْمٍ. (وَمَتَى لَمْ يُمْكِنْهُ) الْوَطْءُ، لِدَفْعِ الشَّبَقِ (إلَّا بِإِفْسَادِ صَوْمِ مَوْطُوءَةٍ) فَإِنْ لَمْ تَنْدَفِعْ شَهْوَتُهُ بِاسْتِمْنَاءٍ بِيَدِهِ أَوْ يَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ، وَلَا بِمُبَاشَرَةٍ دُونَ الْفَرْجِ (جَازَ لَهُ) الْوَطْءُ (ضَرُورَةً) أَيْ: لِدُعَاءِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ، كَأَكْلِ مُضْطَرٍّ مَيْتَةً، فَإِنْ كَانَتْ حَائِضٌ وَصَائِمَةٌ طَاهِرَةٌ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ (فَ) وَطْءُ طَاهِرَةٍ (صَائِمَةٍ أَوْلَى مِنْ) وَطْءِ (حَائِضٍ) لِنَهْيِ الْكِتَابِ عَنْ وَطْءِ الْحَائِضِ، وَتَعَدَّى ضَرَرُهُ (وَتَتَعَيَّنُ) لِلْوَطْءِ (مَنْ لَمْ تَبْلُغْ) مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ مُبَاحَةٍ، كَمَجْنُونَةٍ وَكِتَابِيَّةٍ، لِتَحْرِيمِ إفْسَادِ صَوْمِ الْبَالِغَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ إلَيْهِ (وَإِنْ نَوَى حَاضِرٌ صَوْمَ يَوْمٍ) بِرَمَضَانَ (وَسَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ: الْيَوْمِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا (فَلَهُ الْفِطْرُ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَكَالْمَرَضِ الطَّارِئِ وَلَوْ بِفِعْلِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهَا حَيْثُ وَجَبَ إتْمَامُهَا لَمْ تُقْصَرْ لِآكَدِيِّتِهَا وَعَدَمِ مَشَقَّةِ إتْمَامِهَا (إذَا خَرَجَ) أَيْ: فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ الْعَامِرَةِ وَنَحْوَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَهُ لَا يُسَمَّى مُسَافِرًا (وَالْأَفْضَلُ) لِحَاضِرٍ نَوَى صَوْمًا وَسَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ (عَدَمُهُ) أَيْ: الْفِطْرِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. (وَكُرِهَ صَوْمُ حَامِلٍ وَمُرْضِعٍ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ) خَافَتَا عَلَى (الْوَلَدِ) كَالْمَرِيضِ وَأَوْلَى (وَيَقْضِيَانِ الْفِطْرَ) عَدَدَ أَيَّامِ فِطْرِهِمَا لِقُدْرَتِهِمَا عَلَى الْقَضَاءِ وَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا كَالْمَرِيضِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ (وَيَلْزَمُ مَنْ يَمُونُ الْوَلَدَ إنْ خِيفَ عَلَيْهِ فَقَطْ) مِنْ الصَّوْمِ (إطْعَامُ مِسْكِينٍ كُلَّ يَوْمٍ) أَفْطَرَتْهُ حَامِلٌ أَوْ مُرْضِعٌ خَوْفًا عَلَى الْوَلَدِ (مَا) أَيْ طَعَامًا (يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " كَانَتْ رُخْصَةً لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ، وَهُمَا يُطِيقَانِ الصِّيَامَ: أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا أَفْطَرَتَا وَأَطْعَمَتَا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ فَطَرَ بِسَبَبِ نَفْسٍ عَاجِزَةٍ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ، فَوَجَبَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ (وَتُجْزِئُ) كَفَّارَةٌ (إلَى) مِسْكِينٍ (وَاحِدٍ جُمْلَةً) وَاحِدَةً قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: إخْرَاجُ الْإِطْعَامِ عَلَى الْفَوْرِ، لِوُجُوبِهِ، وَهَذَا أَقْيَسُ. وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: إنْ أَتَى بِهِ مَعَ الْقَضَاءِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّكْمِلَةِ لَهُ، فَإِنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَقَطْ أَوْ مَعَ الْوَلَدِ، فَلَا إطْعَامَ كَالْمَرِيضِ (وَمَتَى قَبِلَ رَضِيعٌ ثَدْيِ غَيْرِهَا) أَيْ: أُمِّهِ (وَقَدَرَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ لَمْ تُفْطِرْ) أُمُّهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَظِئْرٌ) أَيْ: مُرْضِعَةٌ لِوَلَدِ غَيْرِهَا (كَأُمٍّ) فِي إبَاحَةِ فِطْرٍ إنْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ الرَّضِيعِ، فَإِنْ وَجَبَ إطْعَامٌ (فَ) عَلَى مَنْ يَمُونُهُ (لَوْ تَغَيَّرَ لَبَنُهَا) أَيْ: الظِّئْرِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْإِرْضَاعِ (ب) سَبَبِ (صَوْمِهَا أَوْ نَقَصَ) لَبَنُهَا لِصَوْمِهَا (فَلِمُسْتَأْجَرِهَا الْفَسْخُ) لِلْإِجَارَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ (وَتُجْبَرُ) بِطَلَبِ مُسْتَأْجِرٍ (عَلَى فِطْرٍ إنْ تَأَذَّى الرَّضِيعُ) بِصَوْمِهَا فَإِنْ قَصَدَتْ الْإِضْرَارَ أَثِمَتْ، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ تَأَذَّى الصَّبِيُّ بِنَقْصِهِ أَوْ تَغَيُّرِهِ لَزِمَهَا الْفِطْرُ (وَيَجِبُ الْفِطْرُ عَلَى مَنْ احْتَاجَهُ) أَيْ الْفِطْرَ (لِإِنْقَاذِ مَعْصُومٍ مِنْ مَهْلَكَةٍ كَغَرَقٍ وَنَحْوِهِ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَدَارُكُ الصَّوْمِ بِالْقَضَاءِ، بِخِلَافِ الْغَرِيقِ وَنَحْوِهِ، وَمَنْ خَافَ تَلَفًا بِصَوْمِهِ أَجْزَأَهُ صَوْمُهُ، وَكُرِهَ صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَحْرُمُ صَوْمُهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ أَجِدْهُمْ ذَكَرُوا فِي الْإِجْزَاءِ خِلَافًا، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي صَوْمِ الظِّهَارِ يَجِبُ فِطْرُهُ بِمَرَضٍ مَخُوفٍ، وَمَنْ صَنْعَتُهُ شَاقَّةٌ وَتَضَرَّرَ بِتَرْكِهَا، وَخَافَ تَلَفًا أَفْطَرَ وَقَضَى، ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ (وَلَيْسَ لِمَنْ أُبِيحَ لَهُ فِطْرٌ بِرَمَضَانَ) كَمُسَافِرٍ (صَوْمُ غَيْرِهِ) أَيْ: رَمَضَانَ (فِيهِ) أَيْ: رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسَعُ غَيْرَ مَا فُرِضَ فِيهِ.
تَتِمَّةٌ: يُنْكَرُ عَلَى مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ ظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ كَانَتْ أَعْذَارٌ خَفِيفَةٌ مُنِعَ مِنْ إظْهَارِهِ.
وَشُرِطَ لِصَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ وَاجِبٍ نِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ لَهُ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ قَضَائِهِ، أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ، لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُفْرَدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ يَوْمٌ بِفَسَادِ يَوْمٍ آخَرَ، وَكَالْقَضَاءِ (مِنْ اللَّيْلِ) لِحَدِيثِ {مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ لَهُ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا {مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ} وَقَالَ: إسْنَادُهُ كُلُّهُ ثِقَاتٌ، وَكَالْقَضَاءِ. وَأَوَّلُ اللَّيْلِ وَأَوْسَطُهُ وَآخِرُهُ: مَحَلٌّ لِلنِّيَّةِ فَأَيُّ جُزْءٍ نَوَى فِيهِ أَجْزَأَهُ (وَلَوْ أَتَى بَعْدَهَا) أَيْ: النِّيَّةِ (لَيْلًا بِمُنَافٍ لِلصَّوْمِ) لَا لِلنِّيَّةِ كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَجِمَاعٍ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْأَكْلَ لِآخِرِ اللَّيْلِ، فَلَوْ بَطَلَتْ بِهِ فَاتَ مَحِلُّهَا، وَإِنْ نَوَتْ حَائِضٌ صَوْمَ الْغَدِ الْوَاجِبِ، وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا تَطْهُرُ لَيْلًا صَحَّ لِمَشَقَّةِ الْمُقَارَنَةِ (وَلَا) تُعْتَبَرُ (نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ) بِأَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ فَرْضًا لِإِجْزَاءِ التَّعْيِينِ عَنْهُ، وَكَالصَّلَاةِ (وَلَوْ نَوَى) لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ (إنْ كَانَ) الزَّمَانُ (غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، فَفَرْضٌ وَإِلَّا) يَكُنْ مِنْ رَمَضَانَ (فَنَفْلٌ) لَمْ يُجْزِئْهُ. أَوْ نَوَى إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَفَرْضٌ (أَوْ) إلَّا فَ (عَنْ وَاجِبٍ) عَيَّنَهُ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ (وَعَيَّنَهُ) أَيْ: الْوَاجِبَ (بِنِيَّةٍ لَمْ تُجْزِئْهُ) إنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ، لَا عَنْ رَمَضَانَ، وَلَا عَنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لِأَحَدِهِمَا (إلَّا إنْ قَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ): إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَفَرْضِي (وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ) فَيُجْزِئُهُ إنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ بَنَى عَلَى أَصْلٍ لَمْ يَثْبُتْ زَوَالُهُ، وَلَا يَقْدَحُ تَرَدُّدُهُ لِأَنَّهُ حُكْمُ صَوْمِهِ مَعَ الْجُزْءِ. (وَإِذَا نَوَى خَارِجَ رَمَضَانَ) صَوْمًا (وَقَضَاءً وَنَفْلًا) فَنَفْلٌ (أَوْ) نَوَى قَضَاءً، و(نَذْرًا، أَوْ) نَوَى قَضَاءً، و(كَفَّارَةَ نَحْوِ ظِهَارٍ فَ) هُوَ (نَفْلٌ) إلْغَاءً لِلْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِنِيَّتِهَا فَتَبْقَى نِيَّةُ الصَّوْمِ، وَرَدَّهُ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ بِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ، لَا يَصِحُّ تَطَوُّعُهُ قَبْلَهُ. (وَمَنْ قَالَ: أَنَا صَائِمٌ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنْ قَصَدَ بِالْمَشِيئَةِ الشَّكَّ) بِأَنْ شَكَّ هَلْ يَصُومُ أَوْ لَا؟ (أَوْ) قَصَدَ بِهَا (التَّرَدُّدَ فِي الْعَزْمِ) فَلَمْ يَجْزِمْ بِالنِّيَّةِ (أَوْ) التَّرَدُّدِ فِي (الْقَصْدِ) بِأَنْ تَرَدَّدَ هَلْ يَنْوِي الصَّوْمَ بَعْدَ ذَلِكَ جَزْمًا أَوْ لَا؟ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ (فَسَدَتْ نِيَّتُهُ) لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِهَا (وَإِلَّا) يَقْصِدُ الشَّكَّ وَلَا التَّرَدُّدَ (فَلَا) تَفْسُدُ نِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ أَنَّ صَوْمَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ وَتَيْسِيرِهِ، كَمَا لَا يَفْسُدُ الْإِيمَانُ بِقَوْلِهِ: أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ فِي الْحَالِ. قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَا نَقُولُ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ: لَا تَفْسُدُ بِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ فِي نِيَّتِهَا. اهـ. أَيْ: إذَا لَمْ يَقْصِدْ الشَّكَّ وَلَا التَّرَدُّدَ (وَمَنْ خَطَرَ بِقَلْبِهِ لَيْلًا أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا فَقَدْ نَوَى، وَكَذَا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ) لِأَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُوَ حِينَ يَتَعَشَّى عَشَاءَ مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ، وَلِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ عَشَاءِ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَعَشَاءِ لَيَالِي رَمَضَانَ (وَلَا يَصِحُّ) صَوْمٌ (مِمَّنْ جُنَّ) جَمِيعَ النَّهَارِ (أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ) لِأَنَّ الصَّوْمَ: الْإِمْسَاكُ، مَعَ النِّيَّةِ لِحَدِيثِ: {يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي} فَأَضِفْ التَّرْكَ إلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُضَافُ إلَى الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ، وَالنِّيَّةُ وَحْدَهَا لَا تُجْزِئُ. (وَيَصِحُّ) الصَّوْمُ (مِمَّنْ أَفَاقَ) مِنْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ (جُزْءًا مِنْهُ) أَيْ: النَّهَارِ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ حَيْثُ بَيَّتَ النِّيَّةَ، لِصِحَّةِ إضَافَةِ التَّرْكِ إلَيْهِ إذَنْ، وَيُفَارِقُ الْجُنُونُ الْحَيْضَ بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ بَلْ الصِّحَّةَ وَيَحْرُمُ فِعْلُهُ (أَوْ نَامَ جَمِيعَهُ) أَيْ: النَّهَارِ، فَيَصِحُّ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ عَادَةٌ، وَلَا يَزُولُ الْإِحْسَاسُ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى نُبِّهَ انْتَبَهَ (وَيَقْضِي مُغْمًى عَلَيْهِ) زَمَنَ إغْمَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ مَجْنُونٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْإِغْمَاءِ لَا تَطُولُ غَالِبًا، وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ (وَمَنْ نَوَى الْإِفْطَارَ) أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ (فَكَمَنْ لَمْ يَنْوِ) الصَّوْمَ، لِقَطْعِهِ النِّيَّةَ، لَا كَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ (فَيَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَهُ) أَيْ: صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي نَوَى الْإِفْطَارَ فِيهِ (نَفْلًا بِغَيْرِ رَمَضَانَ) نَصًّا (وَمَنْ قَطَعَ نِيَّةَ) صَوْمِ (نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ ثُمَّ نَوَى) صَوْمَ (نَفْلًا صَحَّ) نَفْلُهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَالتَّنْقِيحِ، وَرَدَّهُ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ فِي الْقَضَاءِ بِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ قَلَبَ) صَائِمٌ (نِيَّةَ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ إلَى نَفْلٍ صَحَّ) كَقَلْبِ فَرْضِ الصَّلَاةِ نَفْلًا، وَخَالَفَ فِي الْإِقْنَاعِ فِي قَلْبِ الْقَضَاءِ لِمَا سَبَقَ (وَكُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ (لِغَيْرِ غَرَضٍ) صَحِيحٍ كَالصَّلَاةِ. (وَيَصِحُّ صَوْمُ نَفْلٍ بِنِيَّةٍ) مِنْ (أَثْنَاءِ) النَّهَارِ (وَلَوْ) كَانَتْ (بَعْدَ الزَّوَالِ) نَصًّا، وَهُوَ قَوْلُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ حَكَاهُ عَنْهُمْ إِسْحَاقُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: {دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقُلْنَا: لَا قَالَ: فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ} مُخْتَصَرٌ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ نِيَّةِ التَّبْيِيتِ لِنَفْلِ الصَّوْمِ يُفَوِّتُ كَثِيرًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبْدُو لَهُ الصَّوْمُ بِالنَّهَارِ لِنَشَاطٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَسُومِحَ فِيهِ بِذَلِكَ، كَمَا سُومِحَ فِي نَفْلِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ النَّهَارِ، فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَهُ بِلَحْظَةٍ، وَبِهِ يَبْطُلُ تَعْلِيلُ الْمَنْعِ بَعْدَهُ: بِأَنَّ الْأَكْثَرَ خَلَا عَنْ نِيَّةٍ، فَإِنَّ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ يَزِيدُ عَلَى مَا بَيْنَ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ (وَيُحْكَمُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُثَابِ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِهَا) أَيْ: النِّيَّةِ لِحَدِيثِ {وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى} وَمَا قَبْلَهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُمْسِكًا فِيهِ عَنْ الْمُفْسِدَاتِ لِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ.
وَحِكْمَةُ الصَّوْمِ فِي الْقَصْدِ وَالْمَنْوِيِّ (فَيَصِحُّ تَطَوُّعُ مَنْ طَهُرَتْ) فِي يَوْمٍ (أَوْ) مَنْ (أَسْلَمَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَأْتِيَا) أَيْ: الَّتِي طَهُرَتْ وَمَنْ أَسْلَمَ (فِيهِ) أَيْ: ذَلِكَ الْيَوْمِ (بِمُفْسِدٍ) مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَحْوِهِمَا كَالْجِمَاعِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ (مَنْ) أَيْ: صَائِمٌ (أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ اسْتَعَطَ) فِي أَنْفِهِ بِدَهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَوَصَلَ إلَى حَلْقِهِ أَوْ دِمَاغِهِ. وَفِي الْكَافِي: إلَى خَيَاشِيمِهِ، فَسَدَ صَوْمُهُ (أَوْ احْتَقَنَ، أَوْ دَاوَى الْجَائِفَة فَوَصَلَ) الدَّوَاءُ (إلَى جَوْفِهِ) فَسَدَ صَوْمُهُ نَصًّا (أَوْ اكْتَحَلَ بِمَا) أَيْ: شَيْءٍ (عَلِمَ وُصُولَهُ إلَى حَلْقِهِ) لِرُطُوبَتِهِ أَوْ بُرُودَتِهِ (مِنْ كُحْلٍ أَوْ صَبْرٍ أَوْ قَطُورٍ، أَوْ ذَرُورَةٍ أَوْ إثْمِدٍ كَثِيرٍ أَوْ يَسِيرِ مُطَيِّبٍ) فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَنْفَذٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ كَدَهْنِ رَأْسِهِ (أَوْ أَدْخَلَ إلَى جَوْفِهِ شَيْئًا) مِنْ كُلِّ مَحَلٍّ يَنْفُذُ إلَى مَعِدَتِهِ (مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ يَنْمَاعُ وَيُغَذِّي أَوْ لَا، كَحَصَاةٍ وَقِطْعَةِ حَدِيدٍ وَرَصَاصٍ، وَنَحْوِهِمَا وَلَوْ طَرَفَ سِكِّينٍ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ (أَوْ وَجَدَ طَعْمَ عِلْكٍ مَضَغَهُ بِحَلْقِهِ) فَسَدَ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ دَلِيلُ وُصُولِ أَجْزَائِهِ إلَيْهِ. (أَوْ وَصَلَ إلَى فَمِهِ نُخَامَةٌ مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ دِمَاغِهِ أَوْ حَلْقِهِ، أَوْ صَدْرِهِ فَابْتَلَعَهَا، فَسَدَ صَوْمُهُ، لِعَدَمِ مَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ عَنْهَا بِخِلَافِ الْبُصَاقِ (وَيَحْرُمُ بَلْعُهَا) أَيْ: النُّخَامَةِ بَعْدَ وُصُولِهَا إلَى فَمِهِ لِإِفْسَادِ صَوْمِهِ (أَوْ) وَصَلَ إلَى فَمِهِ (قَيْءٌ أَوْ نَحْوُهُ) كَقَلْسٍ بِسُكُونِ اللَّامِ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: مَا خَرَجَ مِنْ الْحَلْقِ مِلْءَ الْفَمِ، أَوْ دُونَهُ، وَلَيْسَ بِقَيْءٍ، فَإِنْ عَادَ فَهُوَ قَيْءٌ (أَوْ تَنَجَّسَ رِيقُهُ، فَابْتَلَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: مِنْ النُّخَامَةِ وَالْقَيْءِ وَنَحْوِهِ أَوْ رِيقَهُ الْمُتَنَجِّسَ فَسَدَ صَوْمُهُ (أَوْ دَاوَى الْمَأْمُومَةَ) أَيْ: الشَّجَّةَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ (بِدَوَاءٍ) وَصَلَ إلَى دِمَاغِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ (أَوْ قَطَّرَ فِي أُذُنِهِ مَا) أَيْ شَيْئًا (وَصَلَ إلَى دِمَاغِهِ) فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ وَاصِلٌ إلَى جَوْفِهِ بِاخْتِيَارِهِ، أَشْبَهَ الْأَكْلَ (أَوْ اسْتَقَاءَ) أَيْ: اسْتَدْعَى الْقَيْءَ (فَقَاءَ) طَعَامًا أَوْ مِرَارًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَلَوْ قَلَّ، فَسَدَ صَوْمُهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {مَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ (أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمْنَى) لَا إنْ أَمْذَى، فَسَدَ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْزَلَ بِفِعْلٍ يَتَلَذَّذُ بِهِ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، أَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِالْمَسِّ (أَوْ اسْتَمْنَى) بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى فَسَدَ (أَوْ قَبَّلَ) فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى (أَوْ لَمَسَ) فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى فَسَدَ (أَوْ بَاشَرَ دُونَ فَرْجٍ فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى) فَسَدَ. أَمَّا الْإِمْنَاءُ: فَلِمُشَابَهَتِهِ الْإِمْنَاءَ بِجِمَاعٍ؛ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ مُبَاشَرَةً، وَأَمَّا الْإِمْذَاءُ: فَتَحَلُّلُ الشَّهْوَةِ لَهُ وَخُرُوجُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ، فَيُشْبِهُ الْمَنِيَّ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْبَوْلَ (أَوْ حَجَمَ أَوْ احْتَجَمَ، وَظَهَرَ دَمٌ عَمْدًا ذَاكِرًا) عَالِمًا (لِصَوْمِهِ) فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ) لِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ (فَسَدَ) صَوْمُ كُلٍّ مِنْ حَاجِمٍ وَمُحْتَجِمٍ، وَلَزِمَهُمَا قَضَاءُ صَوْمٍ وَاجِبٍ نَصًّا، وَبِهِ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ. لِحَدِيثِ {أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ} رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا، قَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ مِنْ أَصَحِّ حَدِيثٍ يُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ، وَإِسْنَادُ حَدِيثِ رَافِعٍ - يَعْنِي ابْنَ خَدِيجٍ - إسْنَادُهُ جَيْدٌ، وَقَالَ: حَدِيثُ ثَوْبَانَ وَشَدَّادٍ صَحِيحَانِ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، حَدِيثُ شَدَّادٍ وَثَوْبَانَ. وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَاوِيهِ كَانَ يُعِدُّ الْحَجَّامَ وَالْمَحَاجِمَ قَبْلَ مَغِيبَ الشَّمْسِ، فَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ احْتَجَمَ، كَذَلِكَ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيَّ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ دَمٌ لِمَ يُفْطِرْ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى إذَنْ حِجَامَةً (ك) مَا يَفْسُدُ صَوْمٌ ب (رِدَّةٍ مُطْلَقًا) أَيْ: عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ فِي يَوْمِهِ، أَوْ لَمْ يَعُدْ، وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ ارْتَدَّ فِي أَثْنَائِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (وَ) كَمَا يَفْسُدُ ب (مَوْتٍ) لِزَوَالِ أَهْلِيَّتِهِ (وَيُطْعَمُ مِنْ تَرِكَتِهِ) أَيْ: الْمَيِّتِ (فِي نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ) مِسْكِينٌ، لِفَسَادِ صَوْمِ يَوْمِ مَوْتِهِ، لِتَعَذُّرِ قَضَائِهِ، و(لَا) يَفْسُدُ صَوْمُهُ إنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ (نَاسِيًا أَوْ) أَيْ: وَلَا إنْ فَعَلَهُ (مُكْرَهًا، وَلَوْ) كَانَ إكْرَاهُهُ (بِوُجُودِ مُغْمًى عَلَيْهِ مُعَالَجَةً) لِإِغْمَائِهِ، سَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى الْفِعْلِ حَتَّى فَعَلَهُ أَوْ فُعِلَ بِهِ، كَمَنْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ الْمَاءُ مُكْرَهًا أَوْ وَهُوَ نَائِمٌ وَنَحْوُهُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ فِي النَّاسِ بِقَوْلِ: {إنَّمَا اللَّهُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ}. وَفِي لَفْظٍ {فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِ} وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ الْمَاءُ فِي جَوْفِهِ وَهُوَ نَائِمٌ وَنَحْوُهُ (وَلَا) يَفْسُدُ صَوْمٌ (بِفَصْدٍ) لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِيهِ. (وَ) لَا (شَرْطَ) وَلَا جُرْحَ بَدَلُ حِجَامَةٍ لِلتَّدَاوِي، وَلَا رُعَافَ: وَلَا خُرُوجَ دَمٍ يَقْطُرُ عَلَى وَجْهِ قَيْءٍ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا إنْ طَارَ إلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ أَوْ غُبَارُ) طَرِيقٍ أَوْ نَخْلِ نَحْوِ دَقِيقٍ أَوْ دُخَانٍ بِلَا قَصْدٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْحِرْزِ مِنْهُ (أَوْ دَخَلَ فِي قُبُلٍ) كَإِحْلِيلٍ (وَلَوْ) كَانَ الْقُبُلُ (لِأُنْثَى) أَيْ: فَرْجُهَا (غَيْرُ ذَكَرٍ أَصْلِيٍّ) كَأُصْبُعٍ وَعُودٍ وَذَكَرِ خُنْثَى مُشْكِلٍ بِلَا إنْزَالٍ، لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهَا؛ لِأَنَّ مَسْلَكَ الذَّكَرِ مِنْ فَرْجِهَا فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ كَالْفَمِ لِوُجُوبِ غَسْلِ نَجَاسَةٍ. وَإِذَا ظَهَرَ حَيْضُهَا إلَيْهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ فَسَدَ صَوْمُهَا بِخِلَافِ الدُّبُرِ. وَإِنَّمَا فَسَدَ صَوْمُهَا بِإِيلَاجِ ذَكَرِ الرَّجُلِ فِيهِ لِكَوْنِهِ جِمَاعًا لَا وُصُولًا لِبَاطِنٍ وَالْجِمَاعُ يُفْسِدُهُ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِنْزَالِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ وَلِهَذَا يَفْسُدُ بِهِ صَوْمُ الرَّجُلِ وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا: أَنَّهُ لَوْ قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ أَوْ غَيَّبَ فِيهِ شَيْئًا فَوَصَلَ إلَى الْمَثَانَةِ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ نَصًّا، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. (أَوْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ) لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَلَا نَظَرٍ أَشْبَهَ الِاحْتِلَامَ وَالْفِكْرَةَ الْغَالِبَةَ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَالنَّظَرِ لِأَنَّهُ دُونَهُمَا. (أَوْ احْتَلَمَ) وَلَوْ أَنَزَلَ بَعْدَ يَقَظَتِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ بِلَا نِزَاعٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ وَكَذَا لَوْ أَنْزَلَ بِنَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ لِهَيَجَانِ شَهْوَتِهِ بِلَا مَسِّ ذَكَرِهِ، أَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ كَمَرَضٍ وَسَقْطَةٍ، أَوْ نَهَارًا مِنْ وَطْءِ لَيْلٍ أَوْ لَيْلًا مِنْ مُبَاشَرَتِهِ (أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ: غَلَبَهُ وَسَبَقَهُ وَلَمْ يَفْسُدْ لِمَا تَقَدَّمَ. (أَوْ أَصْبَحَ وَفِي فِيهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ) أَيْ: طَرَحَهُ أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ فَبَلَعَهُ مَعَ رِيقِهِ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يَفْسُدْ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ وَإِنْ تَمَيَّزَ عَنْ رِيقِهِ فَبَلَعَهُ اخْتِيَارًا أَفْطَرَ نَصًّا. (أَوْ لَطَّخَ بَاطِنَ قَدَمِهِ بِشَيْءٍ فَوَجَدَ طَعْمَهُ بِحَلْقِهِ) لَمْ يَفْسُدْ لِأَنَّ الْقَدَمَ غَيْرُ نَافِذٍ لِلْجَوْفِ أَشْبَهَ مَا لَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ فَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ (أَوْ تَمَضْمَضَ) أَوْ اسْتَنْشَقَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ بِلَا قَصْدٍ، أَوْ بَلَعَ مَا بَقِيَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ لَمْ يَفْسُدْ (وَلَوْ) تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ فَوْقَ ثَلَاثٍ أَوْ (بَالَغَ) فِيهِمَا (أَوْ) كَانَا (لِنَجَاسَةٍ وَنَحْوِهَا) كَقَذَرٍ لَمْ يَفْسُدْ لِحَدِيثِ عُمَرَ لَمَّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَقَالَ: {أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْت مِنْ إنَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ؟ قُلْت: لَا بَأْسَ قَالَ: فَمَهْ} وَلِوُصُولِهِ إلَى حَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَشْبَهَ الْغُبَارَ (وَكُرِهَ) تَمَضْمُضُهُ أَوْ اسْتِنْشَاقُهُ (عَبَثًا، أَوْ سَرَفًا أَوْ لِحَرٍّ، أَوْ عَطَشٍ) نَصًّا، وَقَالَ: يَرُشُّ عَلَى صَدْرِهِ أَعْجَبُ إلَيَّ (كَغَوْصِهِ) أَيْ الصَّائِمِ (فِي مَاءٍ) فَيُكْرَهُ إنْ كَانَ (لَا لِغُسْلٍ مَشْرُوعٍ أَوْ تَبَرُّدٍ) وَلَهُمَا: لَا يُكْرَه وَيُسَنُّ لِجُنُبٍ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْفَجْرِ. فَإِنْ غَاصَ فِي مَاءٍ (فَدَخَلَ حَلْقَهُ) لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ وَلَا يُكْرَهُ غُسْلُ صَائِمٍ لِحَرٍّ أَوْ عَطَشٍ، لِقَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ {لَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ، وَهُوَ صَائِمٌ مِنْ الْعَطَشِ أَوْ الْحَرِّ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ الْمَجْدُ: وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الضَّجَرِ مِنْ الْعِبَادَةِ كَالْجُلُوسِ فِي الظِّلَالِ الْبَارِدَةِ (أَوْ أَكْلٍ وَنَحْوِهِ) كَشُرْبٍ وَجِمَاعٍ (شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ) الثَّانِي وَلَمْ يَتَبَيَّنْ طُلُوعَهُ إذْ ذَاكَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ (أَوْ) أَكَلَ وَنَحْوَهُ (ظَانًّا غُرُوبَ شَمْسٍ) وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ لَمْ يَفْسُدْ فَلَا قَضَاءَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ يَقِينٌ يُزِيلُ ذَلِكَ الظَّنَّ كَمَا لَوْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ شَكَّ فِي الْإِصَابَة بَعْدَ صَلَاتِهِ. (وَإِنْ بَانَ) لِمَنْ أَكَلَ وَنَحْوِهِ شَاكًّا فِي طُلُوعِ فَجْرٍ (أَنَّهُ طَلَعَ) قَضَى (أَوْ) بَانَ لِمَنْ أَكَلَ وَنَحْوِهِ ظَانًّا غُرُوبَ شَمْسٍ (أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ) قَضَى لِتَبَيُّنِ خَطَئِهِ (أَوْ أَكَلَ) وَنَحْوَهُ شَاكًّا فِي غُرُوبِ شَمْسٍ (وَدَامَ شَكُّهُ) قَضَى لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ، وَكَمَا لَوْ صَلَّى شَاكًّا فِي دُخُولِ وَقْتٍ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الشَّمْسَ كَانَتْ غَرَبَتْ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِتَمَامِ صَوْمِهِ (أَوْ) أَكَلَ وَنَحْوَهُ فِي وَقْتٍ (يَعْتَقِدُهُ نَهَارًا فَبَانَ لَيْلًا وَلَمْ يُجَدِّدْ نِيَّةً) لِصَوْمٍ (وَاجِبٍ) قَضَاهُ لِانْقِطَاعِ النِّيَّةِ بِذَلِكَ فَيَحْصُلُ الْإِمْسَاكُ بِلَا نِيَّةٍ فَلَا يُجْزِئُهُ فَإِنْ شَكَّ أَوْ ظَنَّهُ لَيْلًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ نِيَّةَ الصَّوْمِ غَيْرُ الْيَقِينِ لِأَنَّ الظَّانَّ شَاكٌّ (أَوْ) أَكَلَ وَنَحْوَهُ فِي وَقْتٍ يَعْتَقِدُهُ (لَيْلًا، فَبَانَ نَهَارًا) فِي أَوَّلِ الصَّوْمِ أَوْ آخِرِهِ قَضَى لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ إلَى اللَّيْلِ وَلَمْ يُتِمَّهُ وَعَنْ أَسْمَاءَ {أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ، ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ - قِيلَ لِهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ - أُمِرُوا بِالْقَضَاءِ؟ قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ (أَوْ أَكَلَ) وَنَحْوَهُ (نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَفْطَرَ) بِذَلِكَ (فَأَكَلَ) وَنَحْوَهُ (عَمْدًا قَضَى) لِتَعَمُّدِهِ الْأَكْلَ ثَانِيًا. وَفِي الْإِنْصَافِ: قُلْت: وَيُشْبِهُ ذَلِكَ لَوْ اعْتَقَدَ الْبَيْنُونَةَ فِي الْخُلْعِ لِأَجْلِ عَدَمِ الصِّفَةِ، ثُمَّ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَيَجِبُ إعْلَامُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ وَنَحْوِهِ بِرَمَضَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا.
(وَمَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَلَوْ فِي يَوْمٍ لَزِمَهُ إمْسَاكُهُ) لِنَحْوِ ثُبُوتِ الرُّؤْيَةِ نَهَارًا أَوْ عَدَمِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَعَاطِي مَا يُنَافِي الصَّوْمَ (أَوْ) جَامَعَ فِي يَوْمٍ (رَأَى الْهِلَالَ لَيْلَتَهُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ) فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِجِمَاعِهِ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يُتَّهَمُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ (أَوْ) كَانَ (مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا) أَوْ مُخْطِئًا كَأَنْ اعْتَقَدَهُ لَيْلًا، فَبَانَ نَهَارًا. وَكَذَا لَوْ جَامَعَ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْ الْوَاقِعَ عَنْ حَالٍ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ فَأَفْسَدَهُ عَنْ كُلِّ حَالٍ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ (بِذَكَرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِجَامِعَ (أَصْلِيٍّ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ وَلَوْ) كَانَ الْفَرْجُ دُبُرًا أَوْ (لِمَيْتَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ) لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلُ (أَوْ أَنْزَلَ مَجْبُوبٌ بِمُسَاحَقَةٍ) أَيْ: مَقْطُوعٌ ذَكَرُهُ أَوْ مَمْسُوحٌ بِمُسَاحَقَةٍ (أَوْ) أَنْزَلَتْ امْرَأَةٌ بِمُسَاحَقَة (فَعَلَيْهِ) أَيْ: مَنْ ذُكِرَ (الْقَضَاءُ) لِفَسَادِ صَوْمِهِ. (وَ) عَلَيْهِ (الْكَفَّارَةُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ {بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: وَقَعْت عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ طَعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا فَمَكَثَ النَّبِيُّ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَرْقٍ فِيهِ تَمْرٌ - وَالْفَرْقُ الْمِكْتَلُ - فَقَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: هَا أَنَا قَالَ: خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ: عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَ بَيْتِكَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ {وَتَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ} وَأُلْحِقَ بِهِ الْمَجْبُوبُ وَمُسَاحَقَةُ النِّسَاءِ مَعَ الْإِنْزَالِ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ وَقَالَ الْأَكْثَرُ: لَيْسَ فِيهِ غَيْرُ الْقَضَاءِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ (لَا) إنْ أَوْلَجَ (سَلِيمٌ) ذَكَرَهُ (دُونَ فَرْجٍ، وَلَوْ) كَانَ (عَمْدًا، أَوْ) وَطِئَ (ب) ذَكَرٍ (غَيْرِ أَصْلِيٍّ) يَقِينًا كَذَكَرٍ زَائِدٍ مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ غَيَّبَهُ (فِي) فَرْجٍ (أَصْلِيٍّ وَعَكْسِهِ) بِأَنْ وَطِئَ بِذَكَرٍ أَصْلِيٍّ فِي فَرْجٍ غَيْرِ أَصْلِيٍّ، كَخُنْثَى لَمْ تَتَّضِحْ أُنُوثِيَّتُهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ (إلَّا الْقَضَاءُ إنْ أَمْنَى أَوْ أَمَذَى) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِمَاعٍ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ فِعْلٌ يَتَلَذَّذُ بِهِ يُمْكِنُ التَّحَرُّزَ مِنْهُ غَالِبًا، أَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِالْقُبْلَةِ. (وَالنَّزْعُ جِمَاعٌ) لِأَنَّهُ يَتَلَذَّذُ بِهِ كَالْإِيلَاجِ فَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ يُجَامِعُ فَنَزَعَ حَالَ طُلُوعِهِ قَضَى وَكَفَّرَ وَأَمَّا مَنْ حَلَفَ لَا يُجَامِعُ فَنَزَعَ فَلَا حِنْثَ لِتَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِالْمُسْتَقْبَلِ أَوَّلَ أَوْقَاتِ إمْكَانِهِ (وَ امْرَأَةٌ طَاوَعَتْ غَيْرَ جَاهِلَةٍ) الْحُكْمَ (أَوْ) غَيْرَ (نَاسِيَةٍ) الصَّوْمَ (كَرَجُلٍ) فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا هَتَكَتْ حُرْمَةَ صَوْمِ رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ مُطَاوِعَةً فَأَشْبَهَتْ الرَّجُلَ وَلِأَنَّ تَمْكِينَهَا كَفِعْلِ الرَّجُلِ فِي حَدِّ الزِّنَا فَفِي الْكَفَّارَةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ فَإِنْ كَانَتْ نَاسِيَةً أَوْ جَاهِلَةً، أَوْ مُكْرَهَةً فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا، وَتَدْفَعُهُ إذَا أَكْرَهَهَا بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ وَإِنْ أَدَّى إلَى قَتْلِهِ. (وَمَنْ جَامَعَ فِي يَوْمٍ) ثُمَّ جَامَعَ (فِي) يَوْمٍ (آخَرَ وَلَمْ يُكَفِّرْ) عَنْ جِمَاعٍ أَوَّلَ (لَزِمَتْهُ) كَفَّارَةٌ (ثَانِيَةٌ) لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُفْرَدَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِفَسَادِهِ لَوْ انْفَرَدَ فَإِذَا أَفْسَدَ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ وَجَبَ كَفَّارَتَانِ، كَحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ، وَكَمَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ (كَمَنْ أَعَادَهُ) أَيْ: الْجِمَاعَ (فِي يَوْمٍ بَعْدَ أَنْ كَفَّرَ لِجِمَاعِهِ الْأَوَّلِ) فَتَلْزَمُهُ ثَانِيَةٌ نَصًّا قُلْت: فَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ وَطِئَ فِي يَوْمِهِ دَخَلَتْ بَقِيَّةُ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ وَكَذَا مَنْ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ إذَا جَامَعَ وَكَفَّرَ، ثُمَّ أَعَادَ فِيهِ لَزِمَتْهُ أُخْرَى. (وَلَا تَسْقُطُ) كَفَّارَةُ وَطْءٍ عَنْ امْرَأَةٍ (إنْ حَاضَتْ أَوْ نُفِسَتْ) فِي يَوْمٍ بَعْدَ تَمْكِينِهَا طَاهِرًا (أَوْ مَرِضَا) أَيْ: الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ بَعْدَ الْجِمَاعِ حَالَ الصِّحَّةِ (أَوْ جُنَّا أَوْ سَافَرَ بَعْدَ) وَطْءٍ مُحَرَّمٍ (فِي يَوْمِهِ) فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُمَا الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلْ الْأَعْرَابِيَّ: هَلْ طَرَأَ لَهُ بَعْدَ وَطْئِهِ مَرَضٌ أَوْ غَيْرُهُ؟ بَلْ أَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بِذَلِكَ لَسَأَلَ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمًا وَاجِبًا مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ فَاسْتَقَرَّتْ كَفَّارَتُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَطْرَأْ عُذْرٌ (وَلَا) تَجِبُ (كَفَّارَةٌ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ، وَالْإِنْزَالِ بِالْمُسَاحَقَةِ) مِنْ مَجْبُوبٍ أَوْ امْرَأَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (نَهَارَ رَمَضَانَ) فَلَا كَفَّارَةَ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ قُبْلَةٍ وَنَحْوِهَا وَلَوْ مَعَ الْإِنْزَالِ وَلَا بِالْجِمَاعِ لَيْلًا، أَوْ فِي قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ، لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ بِالْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ وَلَيْسَ غَيْرُهُ فِي مَعْنَاهُ، لِاحْتِرَامِهِ وَتَعَيُّنِهِ لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ، فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ (وَلَا) كَفَّارَةَ بِوَطْءٍ (فِيهِ) أَيْ: رَمَضَانَ (سَفَرًا، وَلَوْ) كَانَ الْجِمَاعُ (مِنْ صَائِمٍ) فِيهِ فِي سَفَرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ الْحُرْمَةَ، لِإِبَاحَةِ فِطْرِهِ (فِيهِ) وَلِفِطْرِهِ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ عَلَى الْوَطْءِ (وَهِيَ) أَيْ: كَفَّارَةُ وَطْءٍ نَهَارَ رَمَضَانَ (عِتْقُ رَقَبَةٍ) مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الظِّهَارِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) رَقَبَةً أَوْ وَجَدَهَا تُبَاعُ بِدُونِ ثَمَنِهَا (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) لِلْخَبَرِ (فَلَوْ قَدَرَ) عَلَيْهَا أَيْ: الرَّقَبَةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي صَوْمٍ (لَا بَعْدَ شُرُوعٍ فِيهِ لَزِمَتْهُ) الرَّقَبَةُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ الْمُوَاقِعَ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ حِينَ أَخْبَرَهُ بِالْجِمَاعِ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَمَّا كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ حَالَ الْمُوَاقَعَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْوُجُوبِ هَكَذَا قَالُوا هُنَا وَيَأْتِي فِي الظِّهَارِ: أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْكَفَّارَاتِ وَقْتُ الْوُجُوبِ، فَعَلَيْهِ: لَا تَلْزَمُهُ شَرَعَ فِيهِ أَوْ لَا (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الصَّوْمَ (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لِلْخَبَرِ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ بُرٍّ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ، مِمَّا يُجْزِئُ فِي فِطْرِهِ لِمَا يَأْتِي فِي الظِّهَارِ. (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) مَا يُطْعِمُهُ لِلْمَسَاكِينِ (سَقَطَتْ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ أَهْلَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ بِكَفَّارَةٍ أُخْرَى وَلَا بَيَّنَ لَهُ بَقَاءَهَا فِي ذِمَّتِهِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ (بِخِلَافِ كَفَّارَةِ حَجٍّ) أَيْ: فِدْيَةٍ تَجِبُ فِيهِ (وَ) كَفَّارَةُ (ظِهَارٍ، وَ) كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى (وَنَحْوِهَا) كَقَتْلٍ، لِعُمُومِ أَدِلَّتِهَا لِلْوُجُوبِ حَالَ الْإِعْسَارِ وَلِأَنَّهُ الْقِيَاسُ، خُولِفَ فِي رَمَضَانَ لِلنَّصِّ. قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ الصَّوْمُ سَبَبًا وَإِنْ لَمْ تَجِبْ إلَّا بِالصَّوْمِ وَالْجِمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا (وَيَسْقُطُ الْجَمِيعُ) أَيْ: كَفَّارَةُ وَطْءٍ نَهَارَ رَمَضَانَ وَحَجٍّ وَظِهَارٍ وَيَمِينٍ وَقَتْلٍ (بِتَكْفِيرِ غَيْرِهِ) بِعِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ (عَنْهُ بِإِذْنِهِ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، كَإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ عَنْهُ بِإِذْنِهِ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْهُ، فَلَا لِعَدَمِ النِّيَّةِ (وَلَهُ) أَيْ: مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ (إنْ مَلَكَهَا إخْرَاجُهَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَهُ أَكْلُهَا إنْ كَانَ أَهْلًا) لِأَكْلِهَا لِلْخَبَرِ.
(كُرِهَ لِصَائِمٍ) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (أَنْ يَجْمَعَ رِيقَهُ فَيَبْلَعَهُ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ يُفْطِرُ بِهِ، وَلَا يُفْطِرُ بِبَلْعِهِ مَجْمُوعًا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْمَعْهُ وَابْتَلَعَهُ قَصْدًا لَا يُفْطِرُ إجْمَاعًا فَكَذَا إنْ جَمَعَهُ (وَيُفْطِرُ) صَائِمٌ (بِغُبَارٍ) ابْتَلَعَهُ (قَصْدًا) لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ عَادَةً (وَ) يُفْطِرُ أَيْضًا (بِرِيقٍ أَخْرَجَهُ إلَى بَيْنِ شَفَتَيْهِ) ثُمَّ بَلَعَهُ لِمَا سَبَقَ وَ(لَا) يُفْطِرُ بِبَلْعِ (مَا) أَيْ: رِيقٍ (قَلَّ) أَيْ: قَلِيلٌ (عَنْ دِرْهَمٍ أَوْ حَصَاةٍ أَوْ خَيْطٍ وَنَحْوِهِ إذَا) أَخْرَجَهُ وَ(عَادَ إلَى فَمِهِ) لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ. (كَمَا) لَا يُفْطِرُ بِبَلْعِ مَا (عَلَى لِسَانِهِ) مِنْ رِيقٍ وَلَوْ كَثُرَ (إذَا أَخْرَجَهُ) أَيْ: لِسَانَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى فَمِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْ مَحَلَّهُ، بِخِلَافِ مَا عَلَى الدِّرْهَمِ وَنَحْوِهِ (وَحَرُمَ) عَلَى صَائِمٍ (مَضْغُ عِلْكٍ يَتَحَلَّلُ مُطْلَقًا) أَيْ: بَلَعَ رِيقَهُ أَوْ لَمْ يَبْلَعْهُ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِصَوْمِهِ لِلْفَسَادِ (وَكُرِهَ) مَضْغُ (مَا لَا يَتَحَلَّلُ) مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ نَصًّا لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ وَيَحْلُبُ الْفَمَ، وَيُورِثُ الْعَطَشَ. (وَ) كُرِهَ لَهُ (ذَوْقُ طَعَامٍ) أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ الْمَجْدُ: الْمَنْصُوصُ عَنْهُ: لَا بَأْسَ بِهِ، لِحَاجَةٍ وَمَصْلَحَةٍ وَاخْتَارَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَحَكَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَعَلَى الْكَرَاهَةِ: مَتَى وَجَدَ طَعْمَهُ بِحَلْقِهِ أَفْطَرَ. (وَ) كُرِهَ لِصَائِمٍ (تَرْكُ بَقِيَّةِ طَعَامٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ) خَشْيَةَ خُرُوجِهِ، فَيَجْرِي بِهِ رِيقُهُ إلَى جَوْفِهِ. (وَ) كُرِهَ لَهُ (شَمُّ مَا لَا يُؤْمَنُ) مِنْ شَمِّهِ (أَنْ يَجْذِبَهُ نَفَسٌ لِحَلْقِ) شَامٍّ كَسَحِيقِ مِسْكٍ. (وَ) سَحِيقِ (كَافُورٍ وَدُهْنٍ وَنَحْوِهِ) كَبَخُورٍ بِنَحْوِ عُودٍ خَشْيَةَ وُصُولِهِ مَعَ نَفَسِهِ إلَى جَوْفِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ شَمُّ نَحْوِ وَرْدٍ وَقِطَعِ عَنْبَرٍ وَمِسْكٍ غَيْرِ مَسْحُوقٍ. (وَ) كُرِهَ لَهُ (قُبْلَةٌ وَدَوَاعِي وَطْءٍ) كَمُعَانَقَةٍ وَلَمْسٍ وَتَكْرَارِ نَظَرٍ (لِمَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {نَهَى عَنْ الْقُبْلَةِ شَابًّا، وَرَخَّصَ لِشَيْخٍ} حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَكَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّكْ شَهْوَتُهُ لَمْ تُكْرَهْ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ} لَمَّا كَانَ مَالِكًا لِإِرْبِهِ وَغَيْرُ ذِي الشَّهْوَةِ فِي مَعْنَاهُ. (وَتَحْرُمُ) قُبْلَةٌ وَدَوَاعِي وَطْءٍ (إنْ ظَنَّ إنْزَالًا) لِتَعْرِيضِهِ لِلْفِطْرِ، ثُمَّ إنْ أَنْزَلَ أَفْطَرَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ وَاجِبٍ (وَيَجِبُ) مُطْلَقًا (اجْتِنَابُ كَذِبٍ وَغِيبَةٍ وَنَمِيمَةٍ وَشَتْمٍ وَفُحْشٍ وَنَحْوِهِ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا {لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْت: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لَحْمَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَ) وُجُوبُ اجْتِنَابِ ذَلِكَ (فِي رَمَضَانَ، وَ) فِي (مَكَان فَاضِلٍ) كَالْحَرَمَيْنِ (آكَدُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَلِمَا يَأْتِي: أَنَّ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيْئَاتِ تَتَضَاعَفُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ الْفَاضِلِ. قَالَ أَحْمَدُ: يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَتَعَاهَدَ صَوْمَهُ مِنْ لِسَانِهِ وَلَا يُمَارِي، وَيَصُونَ صَوْمَهُ كَانُوا إذَا صَامُوا قَعَدُوا فِي الْمَسَاجِدِ، وَقَالُوا: نَحْفَظُ صَوْمَنَا وَلَا نَغْتَابُ أَحَدًا وَلَا نَعْمَلُ عَمَلًا نَجْرَحُ بِهِ صَوْمَنَا.
وَسُنَّ لَهُ أَيْ: الصَّائِمِ كَثْرَةُ قِرَاءَةٍ وَكَثْرَةُ ذِكْرٍ (وَصَدَقَةٍ وَكَفُّ لِسَانِهِ عَمَّا يُكْرَهُ) وَيَجِبُ كَفُّهُ عَمَّا يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَلَا يُفْطِرُ بِنَحْوِ غِيبَةٍ قَالَ أَحْمَدُ: لَوْ كَانَتْ الْغِيبَةُ تُفْطِرُ مَا كَانَ لَنَا صَوْمٌ. (وَ) سُنَّ (قَوْلُهُ) أَيْ: الصَّائِمِ (جَهْرًا) بِرَمَضَانَ وَغَيْرِهِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمُطْلَقَ بِاللِّسَانِ: هُوَ شِدَّةُ صَوْتِ اللِّسَانِ. اهـ. وَفِي الرِّعَايَةِ: يَقُولُهُ مَعَ نَفْسِهِ أَيْ: زَاجِرًا لَهَا خَوْفَ الرِّيَاءِ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ: إنْ كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ (إذَا شَتَمَ: إنِّي صَائِمٌ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ}. (وَ) سُنَّ لَهُ (تَعْجِيلُ فِطْرٍ إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبَ شَمْسٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {يَقُولُ اللَّهُ: إنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ (وَيُبَاحُ) فِطْرُهُ (إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ) غُرُوبُ شَمْسٍ، إقَامَةً لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ وَلَكِنَّ الِاحْتِيَاطَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ، وَالْفِطْرُ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ {مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي حَتَّى يُفْطِرَ، وَلَوْ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ} رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ. (وَكُرِهَ جِمَاعٌ مَعَ شَكٍّ فِي طُلُوعِ فَجْرٍ ثَانٍ) نَصًّا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُتَقَوَّى بِهِ عَلَى الصَّوْمِ وَفِيهِ تَعْرِيضٌ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَ(لَا) يُكْرَهُ (سَحُورٌ) إذَنْ نَصًّا. وَفِي الرِّعَايَةِ الْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ إذَنْ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ (وَيُسَنُّ) سَحُورٌ لِحَدِيثِ {تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (ك) مَا (يُسَنُّ تَأْخِيرُهُ) أَيْ: السَّحُورِ (إنْ لَمْ يَخْشَهُ) أَيْ: طُلُوعَ الْفَجْرِ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ {تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ قُلْت كَمْ كَانَ قَدْرُ ذَلِكَ؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةٍ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ قَصْدَ السَّحُورِ: التَّقَوِّي عَلَى الصَّوْمِ وَمَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْفَجْرِ كَانَ أَعَوْنَ عَلَيْهِ. (وَتَحْصُلُ فَضِيلَتُهُ) أَيْ: السَّحُورِ (بِشُرْبٍ) لِحَدِيثِ {وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ}. (وَ) يَحْصُلُ (كَمَالُهَا) أَيْ: فَضِيلَةِ السَّحُورِ (بِأَكْلٍ) لِلْخَبَرِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ تَمْرٍ لِحَدِيثِ {نِعْمَ سَحُورِ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَ) يُسَنُّ (فِطْرٌ عَلَى رُطَبٍ، فَإِنْ عَدِمَ فَتَمْرٌ فَإِنْ عَدِمَ فَمَاءٌ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى تَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَمَرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفِي مَعْنَى الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ: كُلُّ حُلْوٍ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ. (وَ) سُنَّ (قَوْلُهُ) أَيْ: الصَّائِمِ (عِنْدَهُ) أَيْ: الْفِطْرِ (اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْتُ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ {كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَفْطَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَك صُمْنَا وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْنَا فَتَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {كَانَ إذَا أَفْطَرَ قَالَ: ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَتْ الْعُرُوقُ وَوَجَبَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى} رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِي الْخَبَرِ {لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةٌ لَا تُرَدُّ} وَيُسْتَحَبُّ تَفْطِيرُ الصَّائِمِ، وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، لِلْخَبَرِ فَصْلٌ سُنَّ فَوْرًا لِمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ (تَتَابُعُ قَضَاءِ رَمَضَانَ) نَصًّا وِفَاقًا مُسَارَعَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُفَرِّقَ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {قَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَ وإنْ شَاءَ تَابَعَ} رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَلِأَنَّ وَقْتَهُ مُوَسَّعٌ وَإِنَّمَا لَزِمَ التَّتَابُعُ فِي الصَّوْمِ أَدَاءً لِمُقِيمٍ لَا عُذْرَ لَهُ: لِلْفَوْرِ، وَتَعَيُّنِ الْوَقْتِ، لَا لِوُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي نَفْسِهِ (إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ شَعْبَانَ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ) مِنْ الْأَيَّامِ الَّتِي فَاتَتْهُ مِنْ رَمَضَانَ (فَيَجِبُ) التَّتَابُعُ لِضِيقِ الْوَقْتِ كَأَدَاءِ رَمَضَانَ فِي حَقِّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ (وَمَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ) كُلُّهُ (قَضَى عَدَدَ أَيَّامِهِ) تَامًّا كَانَ أَوْ نَاقِصًا كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ، فَمَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ فَصَامَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ، أَوْ أَثْنَائِهِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَكَانَ الْفَائِتُ نَاقِصًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الْأَيَّامِ لِلْآيَةِ (وَ يُقَدَّمُ) قَضَاءُ رَمَضَانَ وُجُوبًا (عَلَى) صَوْمِ (نَذْرٍ لَا يَخَافُ فَوْتَهُ) لِسَعَةِ وَقْتِهِ لِتَأَكُّدِ الْقَضَاءِ، لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فَإِنْ خَافَ فَوْتَ النَّذْرِ قَدَّمَهُ لِاتِّسَاعِ وَقْتِ الْقَضَاءِ (وَحَرُمَ تَطَوُّعٌ قَبْلَهُ) أَيْ: قَضَاءِ رَمَضَانَ (وَلَا يَصِحُّ) نَصًّا لِلْخَبَرِ، مَعَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ نَقَلَ حَنْبَلٌ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، بَلْ يَبْدَأُ بِالْفَرْضِ، حَتَّى يَقْضِيَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ صَامَهُ يَعْنِي بَعْدَ الْفَرْضِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ (وَ) حَرُمَ (تَأْخِيرُهُ) أَيْ: قَضَاءِ رَمَضَانَ (إلَى) رَمَضَانَ (آخَرَ، بِلَا عُذْرٍ) نَصًّا وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَائِشَةَ {مَا كُنْت أَقْضِي مَا عَلَيَّ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا فِي شَعْبَانَ، لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ}. وَكَمَا لَا تُؤَخَّرُ الصَّلَاةُ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ (فَإِنْ أَخَّرَ) قَضَاءَهُ إلَى آخِرَ بِلَا عُذْرٍ (قَضَى) عَدَدَ مَا عَلَيْهِ (وَأَطْعَمَ) لِتَأْخِيرِهِ (وَيُجْزِئُ) إطْعَامٌ قَبْلَهُ أَيْ: الْقَضَاءِ وَبَعْدَهُ وَمَعَهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " فَإِذَا قَضَى أَطْعَمَ " رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَالَ الْمَجْدُ: الْأَفْضَلُ عِنْدَنَا تَقْدِيمُهُ، مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ وَتَخَلُّصًا مِنْ آفَاتِ التَّأْخِيرِ (مِسْكِينًا لِكُلِّ يَوْمٍ) أَخَّرَهُ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ (مَا) أَيْ: طَعَامًا (يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ وُجُوبًا) رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ (وَ) إنْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ إلَى آخَرَ (لِعُذْرٍ مِنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ) (قَضَى فَقَطْ) أَيْ: بِلَا إطْعَامٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ وَإِنْ أَخَّرَ الْبَعْضَ لِعُذْرٍ، وَالْبَعْضَ لِغَيْرِهِ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ (وَلَا شَيْءٍ عَلَيْهِ) أَيْ: مَنْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ لِعُذْرٍ (إنْ مَاتَ) نَصًّا لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَ بِالشَّرْعِ، مَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ فِعْلِهِ فَسَقَطَ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ كَالْحَجِّ. (وَ) إنْ أَخَّرَهُ (لِغَيْرِهِ) أَيْ: لِغَيْرِ عُذْرٍ (فَمَاتَ قَبْلَ) أَنْ يُدْرِكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ أَطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، بِلَا قَضَاءٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَقَالَ: الصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ الْقَضَاءِ فَقَالَتْ {لَا، بَلْ يُطْعِمُ}، رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَكَذَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (أَوْ) مَاتَ (بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ فَأَكْثَرُ أَطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا فَقَطْ) أَيْ: بِلَا قَضَاءٍ لِأَنَّ الصَّوْمَ الْوَاجِبَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ حَالَ الْحَيَاةِ فَبَعْدَ الْمَوْتِ كَذَلِكَ كَالصَّلَاةِ، وَلَا يَلْزَمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ أَكْثَرُ مِنْ إطْعَامِ مِسْكِينٍ، وَلَوْ مَضَتْ رَمَضَانَاتٌ كَثِيرَةٌ. (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرُ صَوْمٍ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ) عَلَيْهِ نَذْرُ (حَجٍّ) فِي الذِّمَّةِ (أَوْ ) عَلَيْهِ نَذْرُ (صَلَاةٍ) فِي الذِّمَّةِ (أَوْ) نَذْرُ (طَوَافٍ) فِي الذِّمَّةِ (أَوْ) نَذْرُ (اعْتِكَافٍ) فِي الذِّمَّةِ نَصًّا (لَمْ يَفْعَل مِنْهُ) أَيْ: مَا ذُكِرَ (شَيْئًا مَعَ إمْكَانِ) فِعْلِ مَنْذُورٍ، بِأَنْ مَضَى مَا يَتَّسِعُ لِفِعْلِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَإِلَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ مِقْدَارَ مَا بَقِيَ مِنْهَا صَادَفَ نَذْرَهُ حَالَةَ مَوْتِهِ، وَهُوَ يَمْنَعُ الثُّبُوتَ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ وَمَاتَ قَبْلَهُ (غَيْرِ حَجٍّ) فَيُفْعَلُ عَنْهُ مُطْلَقًا، تَمَكَّنَ مِنْهُ أَوْ لَا، جَوَازُ النِّيَابَةِ فِيهِ حَالَ الْحَيَاةِ، فَبَعْدَ الْمَوْتِ أَوْلَى. (سُنَّ لِوَلِيِّهِ) أَيْ: الْمَيِّتِ (فِعْلُهُ) أَيْ: النَّذْرِ الْمَذْكُورِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ فَقَالَ: أَفَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ، فَقَضَيْتِيهِ عَنْهَا أَكَانَ ذَلِكَ يُؤَدِّي عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: فَصَوْمِي عَنْ أُمِّكِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي الْبَابِ غَيْرُهُ وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ " فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ النَّذْرِ؛ لِلنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي النَّذْرِ وَالنِّيَابَةُ تَدْخُلُ فِي الْعِبَادَةِ بِحَسَبِ خِفَّتِهَا وَالنَّذْرُ أَخَفُّ حُكْمًا لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ بِأَصْلِ الشَّرْعِ. (وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ) أَيْ: الْوَلِيِّ فِعْلُ مَا عَلَى مَيِّتٍ مِنْ نَذْرٍ (بِإِذْنِهِ) أَيْ الْوَلِيِّ (وَدُونَهُ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ (وَيَجُوزُ صَوْمُ جَمَاعَةٍ) عَنْ مَيِّتٍ نَذْرًا (فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ) بِأَنْ نَذَرَ شَهْرًا وَمَاتَ فَصَامَهُ عَنْهُ ثَلَاثُونَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ مَعَ إنْجَازِ إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ فَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ مُتَتَابِعًا وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمَجْدِ: لَا يَصِحُّ مَعَ التَّابِعِ قَالَ: وَتَعْلِيلُ الْقَاضِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (وَإِنْ خَلَّفَ) مَيِّتٌ نَاذِرٌ (مَالًا وَجَبَ) فِعْلُ نَذْرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِثُبُوتِهِ فِي ذِمَّتِهِ كَقَضَاءِ دَيْنٍ مِنْ تَرِكَتِهِ (فَيَفْعَلُهُ) أَيْ النَّذْرَ (وَلِيُّهُ) إنْ شَاءَ (أَوْ يَدْفَعُ) مَالًا (لِمَنْ يَفْعَلُ عَنْهُ) ذَلِكَ وَكَذَا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ (وَيَدْفَعُ فِي صَوْمٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ طَعَامَ مِسْكِينٍ فِي كَفَّارَةٍ) لِأَنَّهُ عَدْلُهُ فِي جَزَاءِ صَيْدٍ وَغَيْرِهِ. (و لَا يُقْضَى) عَنْ مَيِّتٍ مَا نَذَرَهُ مِنْ عِبَادَةٍ فِي زَمَنٍ (مُعَيَّنٍ مَاتَ قَبْلَهُ) كَنَذْرِ صَوْمٍ وَنَحْوِهِ بِرَجَبٍ وَمَاتَ قَبْلَهُ، فَلَا صِيَامَ عَنْهُ وَلَا إطْعَامَ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (وَ) إنْ مَاتَ (فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ: الزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ، بِأَنْ نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ مَثَلًا، أَوْ اعْتِكَافَهُ، وَمَاتَ فِي أَثْنَائِهِ (سَقَطَ الْبَاقِي) مِنْهُ، كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ دُخُولِهِ كُلِّهِ (وَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ) أَيْ: مَا أَدْرَكَهُ مِنْهُ (لِعُذْرٍ) مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ (فَكَالْأَوَّلِ) أَيْ: كَنَذْرِ صَوْمٍ فِي الذِّمَّةِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَيَفْعَلُ عَنْهُ لِأَنَّ الْعُذْرَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَهُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ (وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ كَفَّارَةٍ أَوْ مُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ وَنَحْوِهِ أُطْعِمَ عَنْهُ) مِنْ رَأْسِ مَالِهِ أَوْصَى بِهِ أَوْ لَا، بِلَا صَوْمٍ نَصًّا لِأَنَّهُ وَجَبَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ.
(وَأَفْضَلُهُ) أَيْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ صَوْمُ (يَوْمٍ وَ) فِطْرُ (يَوْمٍ) نَصًّا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَمْرٍو {صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُد، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَسُنَّ) صَوْمُ (ثَلَاثَةِ) أَيَّامٍ (مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو {صُمْ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَأَيَّامُ) اللَّيَالِي (الْبِيضِ أَفْضَلُ وَهِيَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ) لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ {يَا أَبَا ذَرٍّ إذَا صُمْتَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ}. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَسُمِّيَتْ لَيَالِيهَا بِالْبِيضِ: لِبَيَاضِ لَيْلِهَا كُلِّهِ بِالْقَمَرِ (وَ) سُنَّ صَوْمُ يَوْمِ (الِاثْنَيْنِ وَ) يَوْمِ (الْخَمِيسِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُهُمَا فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: {إنَّ أَعْمَالَ النَّاسِ تُعْرَضُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. وَفِي لَفْظٍ {وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ} (وَ) سُنَّ صَوْمُ (سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ، وَالْأَوْلَى تَتَابُعُهَا، وَ) كَوْنُهَا (عَقِبَ الْعِيدِ وَصَائِمُهَا مَعَ رَمَضَانَ كَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ) لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا {مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَجْرِي مَجْرَى التَّقْدِيمِ لِرَمَضَانَ لِأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ فَاصِلٌ وَلِسَعِيدٍ عَنْ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا {مَنْ صَامَ رَمَضَانَ شَهْرًا بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ، وَصَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ، وَذَلِكَ سَنَةٌ، أَيْ: الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَالشَّهْرُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَالسِّتَّةُ بِسِتِّينَ يَوْمًا وَذَلِكَ سَنَةٌ} وَالْمُرَادُ بِالْخَبَرِ الْأُوَلِ: التَّشْبِيهُ بِصَوْمِ الدَّهْرِ فِي حُصُولِ الْعِبَادَةِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ كَحَدِيثِ {مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ} مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَتَحْصُلُ فَضِيلَتُهَا مُتَتَابِعَةً وَمُتَفَرِّقَةً. (وَ) سُنَّ (صَوْمُ) شَهْرِ اللَّهِ (الْمُحَرَّمِ) لِحَدِيثِ {أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ جَوْفُ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُكْثِرْ الصَّوْمَ فِيهِ لِعُذْرٍ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَهُ إلَّا آخِرًا. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: إضَافَتُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى تَعْظِيمًا وَتَفْخِيمًا كَقَوْلِهِمْ: بَيْتُ اللَّهِ وَآلُ اللَّهِ، لِقُرَيْشٍ (وَآكَدُهُ) وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ: أَفْضَلُهُ (الْعَاشِرُ) وَيُسَمَّى عَاشُورَاءَ وَيَنْبَغِي التَّوْسِعَةُ فِيهِ عَلَى الْعِيَالِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَهُوَ) أَيْ: صَوْمُ عَاشُورَاءَ (كَفَّارَةُ سَنَةٍ) لِحَدِيثِ {إنِّي لَأَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ} (ثُمَّ) يَلِي عَاشُورَاءَ فِي الْآكَدِيَّةِ (التَّاسِعُ) وَيُسَمَّى تَاسُوعَاءَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا {لَئِنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ} رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. (وَ) يُسَنُّ صَوْمُ (عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) أَيْ: التِّسْعَةِ الْأُوَلِ مِنْهُ لِحَدِيثِ {مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ} (وَآكَدُهُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَهُوَ) أَيْ: صَوْمُهُ (كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا فِي صَوْمِهِ {إنِّي لَأَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ} قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ الصَّغَائِرُ حَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَغَائِرُ رُجِيَ التَّخْفِيفُ مِنْ الْكَبَائِرِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُفِعَتْ الدَّرَجَاتُ (وَلَا يُسَنُّ) صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ (لِمَنْ بِهَا) أَيْ: بِعَرَفَةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّهُ يُضْعِفُهُ وَيَمْنَعُهُ الدُّعَاءَ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الشَّرِيفِ (إلَّا لِمُتَمَتِّعٍ وَقَارِنٍ عَدِمَا الْهَدْيَ) فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَا آخِرَ صِيَامِ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَأْتِي. (ثُمَّ) يَلِي يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الْآكَدِيَّةِ يَوْمُ (التَّرْوِيَةِ) وَهُوَ ثَامِنُ ذِي الْحِجَّةِ لِحَدِيثِ {صَوْمُ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ كَفَّارَةُ سَنَةٍ} الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي الثَّوَابِ وَابْنُ النَّجَّارِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا (وَكُرِهَ إفْرَادُ رَجَبٍ) بِصَوْمٍ. قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ كَانَ يَصُومُ السَّنَةَ صَامَهُ وَإِلَّا فَلَا يَصُمْهُ مُتَوَالِيًا بَلْ يُفْطِرُ فِيهِ وَلَا يُشَبِّهُهُ بِرَمَضَانَ. اهـ. لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ قَالَ " رَأَيْتُ عُمَرَ يَضْرِبُ أَكُفَّ الْمُتَرَجِّبِينَ، حَتَّى يَضَعُوهَا فِي الطَّعَامِ وَيَقُولُ: كُلُوا، فَإِنَّمَا هُوَ شَهْرٌ كَانَتْ تُعَظِّمُهُ الْجَاهِلِيَّةُ " وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ إذَا رَأَى النَّاسَ وَمَا يَعُدُّونَهُ لِرَجَبٍ كَرِهَهُ وَقَالَ " صُومُوا مِنْهُ وَأَفْطِرُوا " وَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ شَهْرٍ غَيْرِهِ. (وَ) كُرِهَ إفْرَادُ يَوْمِ (الْجُمُعَةِ) بِصَوْمٍ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَ) كُرِهَ إفْرَادُ يَوْمِ (السَّبْتِ بِصَوْمٍ) لِحَدِيثِ {لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ} حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، فَإِنْ صَامَ مَعَهُ غَيْرَهُ لَمْ يُكْرَهْ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُوَيْرِيَةَ قَالَ فِي الْكَافِي: فَإِنْ صَامَهُمَا أَيْ: الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ مَعًا لَمْ يُكْرَهْ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. (وَ) كُرِهَ (صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ، وَهُوَ الثَّلَاثُونَ مِنْ شَعْبَانَ، إذَا لَمْ يَكُنْ حِينَ التَّرَائِيِ عِلَّةٌ) مِنْ نَحْوِ غَيْمٍ أَوْ قَتَرٍ لِأَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْهُ (إلَّا أَنْ يُوَافِقَ) يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَوْ السَّبْتِ أَوْ الشَّكِّ (عَادَةً، أَوْ يَصِلَهُ) أَيْ: يَوْمَ الشَّكِّ (بِصِيَامٍ قَبْلَهُ) وَيَتَقَدَّمُ عَنْ رَمَضَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ فَلَا يُكْرَهُ نَصًّا لِظَاهِرِ خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ {لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ} أَوْ يَكُونُ صَوْمُهُ (قَضَاءً) عَنْ رَمَضَانَ (أَوْ) يَكُونُ (نَذْرًا) فَيَصُومُهُ لِوُجُوبِهِ، وَمِثْلُهُ صَوْمُهُ عَنْ كَفَّارَةٍ. (وَ) كُرِهَ صَوْمُ يَوْمِ (النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ) هُمَا عِيدَانِ لِلْكُفَّارِ (وَ) صَوْمُ (كُلِّ عِيدٍ لِلْكُفَّارِ أَوْ يَوْمٍ يُفْرِدُونَهُ بِتَعْظِيمٍ) قِيَاسًا عَلَى يَوْمِ السَّبْتِ، مَا لَمْ يُوَافِقْ عَادَةً أَوْ يَصُمْهُ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ، أَوْ نَذْرٍ وَنَحْوِهِ. (وَ) كُرِهَ (تَقَدُّمُ) صَوْمِ (رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ) لَا بِأَكْثَرَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. (وَ) كُرِهَ (وِصَالٌ) بِأَنْ لَا يُفْطِرَ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ (إلَّا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ {وَاصَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَوَاصَلَ النَّاسُ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوِصَالِ فَقَالُوا: إنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ: إنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّ النَّهْيَ وَقَعَ رِفْقًا وَرَحْمَةً وَ(لَا) يُكْرَهُ الْوِصَالُ (إلَى السَّحَرِ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا {فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَتَرْكِهِ) أَيْ: الْوِصَالُ إلَى السَّحَرِ (أَوْلَى) مِنْ فِعْلِهِ لِفَوَاتِ فَضِيلَةِ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ. (وَلَا يَصِحُّ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) لِحَدِيثِ {وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا (إلَّا عَنْ دَمِ مُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ) لِمَنْ عَدِمَهُ فَيَصِحُّ صَوْمُهَا عَنْهُ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ " لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَلَا) يَصِحُّ صَوْمُ (يَوْمِ عِيدٍ مُطْلَقًا) لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا (وَيَحْرُمُ) صَوْمُهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {نُهِيَ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ فِطْرٍ وَيَوْمِ أَضْحَى} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ إنْ لَمْ يَتْرُكْ بِهِ حَقًّا وَلَا يَخَافُ مِنْهُ ضَرَرًا، وَلَا صَامَ أَيَّامَ النَّهْيِ.
وَمَنْ دَخَلَ فِي تَطَوُّعِ صَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ (غَيْرِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَمْ يَجِبْ) عَلَيْهِ (إتْمَامُهُ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَفِيهِ {إنَّمَا مَثَلُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا} رَوَاهُ النَّسَائِيُّ. (وَيُسَنُّ) إتْمَامُ تَطَوُّعٍ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَيُكْرَهُ قَطْعُهُ بِلَا حَاجَةٍ ذَكَرَهُ النَّاظِمُ (وَإِنْ فَسَدَ) تَطَوُّعٌ دَخَلَ فِيهِ غَيْرُ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ (فَلَا قَضَاءَ) عَلَيْهِ نَصًّا بَلْ يُسَنُّ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَأَمَّا تَطَوُّعُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَيَجِبُ إتْمَامُهُ لِأَنَّ نَفْلَهُمَا كَفَرْضِهِمَا نِيَّةً وَفِدْيَةً وَغَيْرِهِمَا وَلِعَدَمِ الْخُرُوجِ مِنْهُمَا بِالْمَحْظُورَاتِ (وَيَجِبُ إتْمَامُ فَرْضٍ مُطْلَقًا) أَيْ: بِأَصْلِ الشَّرْعِ أَوْ بِالنَّذْرِ (وَلَوْ) كَانَ وَقْتُهُ (مُوَسَّعًا كَصَلَاةٍ وَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَنَذْرٍ مُطْلَقٍ وَكَفَّارَةٍ) فِي قَوْلٍ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِدُخُولٍ فِيهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَعَيِّنِ وَالْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ مُتَعَيِّنٌ وَدَخَلَتْ التَّوْسِعَةُ فِي وَقْتِهِ وَفْقًا (وَإِنْ بَطَلَ) الْفَرْضُ (فَلَا مَزِيدَ) عَلَيْهِ فَيُعِيدُهُ أَوْ يَقْضِيهِ فَقَطْ (وَلَا كَفَّارَةَ) مُطْلَقًا غَيْرَ الْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَتَقَدَّمَ (وَيَجِبُ قَطْعُ) فَرْضٍ وَنَفْلٍ (لِرَدِّ مَعْصُومٍ عَنْ مَهْلَكَةٍ وَإِنْقَاذِ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ) كَحَرِيقٍ وَمَنْ تَحْتَ هَدْمٍ أَوْ بَهِيمَةٍ لِأَنَّهُ إذَا فَاتَ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ. (وَ) يَجِبُ قَطْعُ فَرْضِ صَلَاةٍ (إذْ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ} (وَلَهُ قَطْعُهُ) أَيْ: الْفَرْضِ (لِهَرَبِ غَرِيمٍ، وَ) لَهُ (قَبْلَهُ نَفْلًا) وَتَقَدَّمَ.
يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ إجْمَاعًا وَقَالَ: يَوْمُ النَّحْرِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ وَكَذَا قَالَ جَدُّهُ الْمَجْدُ وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَكِيمٍ: أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ أَفْضَلُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ. (وَ) أَفْضَلُ (اللَّيَالِي: لَيْلَةُ الْقَدْرِ) لِلْآيَةِ وَذَكَرَهُ الْخَطَّابِيِّ إجْمَاعًا وَهِيَ لَيْلَةٌ مُعَظَّمَةٌ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: وَالدُّعَاءُ فِيهَا مُسْتَجَابٌ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا مَا يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ لِعِظَمِ قَدْرِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِضِيقِ الْأَرْضِ عَنْ الْمَلَائِكَةِ الَّتِي تَنْزِلُ فِيهَا وَلَمْ تُرْفَعُ (وَتُطْلَبُ) لَيْلَةُ الْقَدْرِ (فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ) فَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ أَيْ الْعَشْرِ الْأَخِير مِنْهُ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَتَسْتَقِلُّ فِيهِ (وَأَوْتَارُهُ) أَيْ: الْعَشْرِ الْأَخِير مِنْ رَمَضَانَ، وَهِيَ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ، وَالثَّالِثَةُ، وَالْخَامِسَةُ، وَالسَّابِعَة، وَالتَّاسِعَةُ، وَالْعِشْرُونَ (آكَدُ) مِنْ غَيْرِ أَوْتَارِهِ (أَرْجَاهَا) أَيْ: لَيَالِي الْأَوْتَارِ (سَابِعَتُهُ) أَيْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ نَصًّا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَزِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا {لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. (وَسُنَّ كَوْنٌ مِنْ دُعَائِهِ فِيهَا) أَيْ: لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: {يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ وَافَقْتُهَا فَبِمَ أَدْعُو؟ قَالَ قُولِي اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي}) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَأَمَارَتُهَا {أَنَّهَا لَيْلَةٌ صَافِيَةٌ بَلْجَةٌ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا سَاكِنَةٌ سَاجِيَةٌ، لَا بَرْدَ فِيهَا، وَلَا حَرَّ وَلَا يَحِلُّ لِكَوْكَبٍ أَنْ يُرْمَى بِهِ فِيهَا، حَتَّى تُصْبِحَ، وَتَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ صَبِيحَتِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا}. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ {مِثْلَ الطَّسْتِ} وَفِي بَعْضِهَا {مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا يَحِلُّ لِشَيْطَانٍ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَئِذٍ مَعَهَا} وَرَمَضَانُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِير مِنْ رَمَضَانَ، وَمِنْ سَائِرِ الْعُشُورِ.
لُغَةً: لُزُومُ الشَّيْءِ وَمِنْهُ {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} بِفَتْحِ الْكَافِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ وَشَرْعًا (لُزُومُ مُسْلِمٍ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ عَاقِلٍ، وَلَوْ) كَانَ (مُمَيِّزًا: مَسْجِدًا) مَفْعُولُ " لُزُومُ " (وَلَوْ) كَانَ لُزُومُهُ، أَيْ: وَقْتِهِ (سَاعَةً) مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ أَيْ: مَا يُسَمَّى بِهِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا (لِطَاعَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِ " لُزُومُ " (عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ) تَأْتِي فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ، وَلَا مِمَّنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ لِجَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَا غَيْرِ عَاقِلٍ وَمَنْ دُونَ التَّمْيِيزِ، وَلَا فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ أَوْ بِغَيْرِ لُبْثٍ وَلَا يَلْزَمُ غَيْرَ مَسْجِدٍ لِنَحْوِ صِنَاعَةٍ، وَمَشْرُوعِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا فِي أَنَّهُ مَسْنُونٌ وَيُسَمَّى جِوَارًا وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: لَا يَحِلُّ أَنْ يُسَمَّى خَلْوَةً وَفِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْكَرَاهَةَ أَوْلَى. (وَلَا يَبْطُلُ) اعْتِكَافٌ (بِإِغْمَاءٍ) كَنَوْمٍ لِبَقَاءِ التَّكْلِيفِ (وَسُنَّ) اعْتِكَافُ (كُلِّ وَقْتٍ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُدَاوَمَتِهِ عَلَيْهِ وَاعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مَعَهُ، وَبَعْدَهُ. (وَ) هُوَ (فِي رَمَضَانَ آكَدُ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَآكَدُهُ) أَيْ: رَمَضَانَ (عَشْرُهُ الْأَخِيرِ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ {كُنْت أُجَاوِرُ هَذِهِ الْعَشْرَ، يَعْنِي الْأَوْسَطَ ثُمَّ قَدْ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَلْبَثْ فِي مُعْتَكَفِهِ} وَلِمَا فِيهِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ وَإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ فَنَقَصَ الشَّهْرُ أَجْزَأَهُ، لَا إنْ نَذَرَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَنَقَصَ فَيَقْضِي يَوْمًا (وَيَجِبُ) اعْتِكَافٌ (بِنَذْرٍ) لِحَدِيثِ {مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (وَإِنْ عَلَّقَ) نَذْرَ اعْتِكَافٍ (أَوْ غَيْرِهِ) كَنَذْرِ صَوْمٍ أَوْ عِتْقٍ (بِشَرْطٍ) كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي لَأَعْتَكِفَنَّ أَوْ لَأَصُومَنَّ كَذَا (تَقَيَّدَ بِهِ) أَيْ: الشَّرْطِ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبْلَهُ كَطَلَاقٍ (وَيَصِحُّ) اعْتِكَافٌ (بِلَا صَوْمٍ) لِحَدِيثِ عُمَرَ {يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي نَذَرْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ بِنَذْرِك} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ شَرْطًا لِمَا صَحَّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ وَكَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ {لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ} مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا وَمَنْ رَفَعَهُ فَقَدْ وَهَمَ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِهِ: الِاسْتِحْبَابُ وَ(لَا) يَصِحُّ اعْتِكَافٌ (بِلَا نِيَّةٍ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَلِحَدِيثِ {إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ} (وَيَجِبُ أَنْ يُعَيَّنَ نَذْرٌ بِهَا) أَيْ النِّيَّةِ، لِيَتَمَيَّزَ النَّذْرُ عَنْ التَّطَوُّعِ (وَمَنْ نَوَى خُرُوجَهُ مِنْهُ) أَيْ: الِاعْتِكَافِ (بَطَلَ) كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ. (وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا) لَزِمَهُ الْجَمْعُ (أَوْ) نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ (بِصَوْمٍ) لَزِمَهُ الْجَمْعُ (أَوْ) نَذَرَ أَنْ (يَصُومَ مُعْتَكِفًا) لَزِمَهُ الْجَمْعُ (أَوْ بِاعْتِكَافٍ أَوْ) نَذَرَ أَنْ (يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا) لَزِمَهُ الْجَمْعُ (أَوْ) نَذَرَ (أَنْ يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا لَزِمَهُ الْجَمْعُ) بَيْنَ الِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ لِحَدِيثِ {لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صَوْمٌ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ} وَقِيسَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صِفَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ فَلَزِمَتْ بِالنَّذْرِ كَالتَّتَابُعِ وَالْقِيَامِ فِي النَّافِلَةِ (كَنَذْرِ صَلَاةٍ بِسُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ) مِنْ الْقُرْآنِ فَلَوْ فَرَّقَهُمَا أَوْ اعْتَكَفَ وَصَامَ مِنْ رَمَضَانَ وَنَحْوِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ جَمِيعَ النَّهَارِ، بَلْ يَكْفِيهِ رَكْعَتَانِ. (وَلَا يَجُوزُ لِزَوْجَةٍ وَقِنٍّ) وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ (اعْتِكَافٌ بِلَا إذْنِ زَوْجٍ) لِزَوْجَتِهِ. (وَ) لَا إذْنِ (سَيِّدٍ) لِرَقِيقِهِ، لِتَفْوِيتِ حَقِّهِمَا عَلَيْهِمَا (وَلَهُمَا) أَيْ: الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ (تَحْلِيلُهُمَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ وَالْقِنِّ (مِمَّا شَرَعَا فِيهِ) مِنْ اعْتِكَافٍ وَلَوْ مَنْذُورًا (بِلَا إذْنِ) زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ لِحَدِيثِ {لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ إلَّا بِإِذْنِهِ} رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ غَيْرِهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَانَ لِرَبِّ الْحَقِّ الْمَنْعُ مِنْهُ، كَمَنْعِ مَالِكٍ غَاصِبًا (أَوْ) كَانَا شَرَعَا فِيهِ (بِهِ) أَيْ: بِإِذْنِ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ (وَهُوَ) أَيْ: مَا شَرَعَا فِيهِ (تَطَوُّعٌ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَذِنَ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ فِي الِاعْتِكَافِ، ثُمَّ مَنَعَهُنَّ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلْنَ فِيهِ} وَيُخَالِفُ الْحَجَّ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا مِنْ مَنْذُورٍ شَرَعَا فِيهِ بِالْإِذْنِ وَالْإِذْنُ فِي عَقْدِ النَّذْرِ إذْنٌ فِي فِعْلِهِ إنْ نَذَرَا مُعَيَّنًا بِالْإِذْنِ (وَلِمُكَاتَبٍ اعْتِكَافٌ بِلَا إذْنِ) سَيِّدِهِ نَصًّا لِمِلْكِهِ مَنَافِعَ نَفْسِهِ، كَحُرٍّ مَدِينٍ، بِخِلَافِ أُمِّ وَلَدٍ وَمُدَبَّرٍ. (وَ) لِمُكَاتَبٍ أَيْضًا (حَجٌّ) بِلَا إذْنٍ نَصًّا كَاعْتِكَافٍ وَأَوْلَى لِإِمْكَانِ التَّكَسُّبِ مَعَهُ لَكِنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ وَيَأْتِي (مَا لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ) مِنْ كِتَابَتِهِ فَإِنْ حَلَّ لَمْ يَحُجَّ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ (وَمُبَعَّضٌ كَقِنٍّ) كُلُّهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّ لَهُ مِلْكًا فِي مَنَافِعِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ (إلَّا مَعَ مُهَايَأَةٍ) فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَحُجَّ (فِي نَوْبَتِهِ) بِلَا إذْنِ مَالِكٍ أَوْ بَعْضِهِ (فَ) إنَّهُ فِي نَوْبَتِهِ (كَحُرٍّ) لِمِلْكِهِ اكْتِسَابَهُ وَمَنَافِعَهُ.
وَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافٌ (مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا بِمَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ) الْجَمَاعَةُ (وَلَوْ مِنْ مُعْتَكِفِينَ) لِأَنَّهُ إذَا اعْتَكَفَ بِمَا لَا تُقَامُ فِيهِ أَفْضَى إلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ الْوَاجِبَةِ أَوْ خُرُوجِهِ إلَيْهَا فَيَتَكَرَّرُ كَثِيرًا، مَعَ إمْكَان تَحَرُّزِهِ مِنْهُ وَهُوَ مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ، إذْ هُوَ لُزُومُ الْمَسْجِدِ لِلطَّاعَةِ وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَسْجِدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} وَالْمُبَاشَرَةُ مُحَرَّمَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا فَلَوْلَا اخْتِصَاصُهُ بِالْمَسَاجِدِ لَمَا قُيِّدَ بِهَا وَلِأَنَّ الْمَقَامَ فِيهِ عَوْنٌ عَلَى مَا يُرَادُ مِنْ الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ لَهَا (إنْ أَتَى عَلَيْهِ) أَيْ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ (فِعْلُ صَلَاةٍ) زَمَنَ اعْتِكَافِهِ (وَإِلَّا) تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ، كَعَبْدٍ وَمَرِيضٍ، أَوْ لَمْ يَأْتِ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ، كَأَنْ اعْتَكَفَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ (صَحَّ) اعْتِكَافُهُ (بِكُلِّ مَسْجِدٍ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ مَحْذُورٌ (كَ) مَا يَصِحُّ اعْتِكَافٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ (مِنْ أُنْثَى) لِمَا تَقَدَّمَ، إلَّا مَسْجِدَ بَيْتِهَا وَهُوَ مَا اتَّخَذَتْهُ مِنْهُ لِصَلَاتِهَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا لِجَوَازِ لُبْثِهَا فِيهِ حَائِضًا وَجُنُبًا وَعَدِمَ وُجُوبِ صَوْنِهِ مِنْ نَجَاسَةٍ وَتَسْمِيَتُهُ مَسْجِدًا مَجَازًا وَكَالرَّجُلِ وَسُنَّ اسْتِتَارُ مُعْتَكِفَةٍ بِخِبَاءٍ فِي مَكَان لَا يُصَلِّي بِهِ الرِّجَالُ وَيُبَاحُ لِرَجُلٍ (وَمِنْهُ) أَيْ الْمَسْجِدِ (ظَهْرُهُ) أَيْ سَطْحُهُ لِعُمُومٍ {فِي الْمَسَاجِدِ} (وَ) مِنْهُ (رَحَبَتُهُ الْمَحُوطَةُ). قَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِطٌ وَبَابٌ، كَرَحَبَةِ جَامِعِ الْمَهْدِيِّ بِالرُّصَافَةِ هِيَ كَالْمَسْجِدِ لِأَنَّهَا مِنْهُ وَتَابِعَةٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَحُوطَةً، كَرَحَبَةِ جَامِعِ الْمَنْصُورِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ. (وَ) مِنْهُ (مَنَارَتُهُ الَّتِي هِيَ فِيهِ أَوْ بَابُهَا فِيهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ، لِمَنْعِ الْجُنُبِ مِنْهَا فَإِنْ كَانَتْ هِيَ أَوْ بَابُهَا خَارِجَةً، وَلَوْ قَرِيبَةٌ وَخَرَجَ الْمُعْتَكِفُ إلَيْهِ لِلْأَذَانِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ مَشَى حَيْثُ يَمْشِي جُنُبٌ لِأَمْرٍ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، كَخُرُوجِهِ إلَيْهَا لِغَيْرِهِ (وَ) مِنْهُ (مَا زِيدَ فِيهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ (حَتَّى فِي الثَّوَابِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ (وَعِنْدَ جَمْعٍ) مِنْهُمْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ رَجَبٍ وَحُكِيَ عَنْ السَّلَفِ (وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَيْضًا) فَزِيَادَتُهُ كَهُوَ فِي الْمُضَاعَفَةِ وَخَالَفَ فِيهِ جَمْعٌ، مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى هَذِهِ الْمُضَاعَفَةُ تَخْتَصُّ بِالْمَسْجِدِ غَيْرَ الزِّيَادَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ (وَالْأَفْضَلُ لِرَجُلٍ تَخَلَّلَ اعْتِكَافَهُ جُمُعَةٌ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي جَامِعٍ) أَيْ مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ لِلْخُرُوجِ إلَيْهَا مِنْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَيْهَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، كَالْخُرُوجِ لِحَاجَتِهِ، وَالْخُرُوجُ إلَيْهَا مُعْتَادٌ فَكَأَنَّهُ مُسْتَثْنًى (وَيَتَعَيَّنُ) جَامِعٌ لِاعْتِكَافٍ (إنْ عَيَّنَ بِنَذْرٍ) فَلَا يُجْزِئُهُ فِي مَسْجِدٍ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ، حَيْثُ عَيَّنَ الْجَامِعَ بِنَذْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْ اعْتِكَافَهُ جُمُعَةٌ لِأَنَّهُ تَرَكَ لُبْثًا مُسْتَحَقًّا الْتَزَمَهُ بِنَذْرِهِ (وَلِمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ) كَامْرَأَةٍ وَمُسَافِرٍ (أَنْ يَعْتَكِفَ بِغَيْرِهِ) أَيْ الْجَامِعِ مِنْ الْمَسَاجِدِ (وَيَبْطُلُ) اعْتِكَافُهُ (بِخُرُوجِهِ إلَيْهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ لَهُ مِنْهُ بُدًّا (إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ) أَيْ الْخُرُوجَ إلَى الْجُمُعَةِ، كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ (وَمَنْ عَيَّنَ) بِنَذْرِهِ لِاعْتِكَافِهِ أَوْ صَلَاتِهِ (مَسْجِدًا غَيْرَ) الْمَسَاجِدِ (الثَّلَاثَةِ) أَيْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى (لَمْ يَتَعَيَّنْ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ تَعَيَّنَ غَيْرُهَا بِالتَّعْيِينِ لَزِمَ الْمُضِيُّ إلَيْهِ وَاحْتَاجَ إلَى شَدِّ الرَّحْلِ لِقَضَاءِ نَذْرِهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعَيِّنْ لِعِبَادَتِهِ مَكَانًا فِي غَيْرِ الْحَجِّ ثُمَّ إنْ أَرَادَ النَّاذِرُ الِاعْتِكَافَ فِيمَا عَيَّنَهُ غَيْرَهَا، فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِلَّا بِأَنْ احْتَاجَ لِشَدِّ رَحْلٍ خُيِّرَ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ قُبَاءَ وَحُمِلَ النَّهْيُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِيهِ وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ (وَ أَفْضَلُهَا) أَيْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الْمَسْجِدُ (الْحَرَامُ) وَهُوَ مَسْجِدُ مَكَّةَ (فَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ) عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ (فَ) مَسْجِدُ (الْأَقْصَى) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد (فَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا، أَوْ) نَذَرَ (صَلَاةً فِي أَحَدِهَا) أَيْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ (لَمْ يُجْزِئْهُ) اعْتِكَافٌ وَلَا صَلَاةٌ (فِي غَيْرِهِ) أَيْ مَا عَيَّنَهُ لِتَعَيُّنِهِ لِذَلِكَ (إلَّا) أَنْ يَكُونَ مَا فَعَلَهُ فِيهِ (أَفْضَلَ مِنْهُ) أَيْ الَّذِي عَيَّنَهُ فَيُجْزِئَهُ فَمَنْ نَذَرَ فِي الْحَرَامِ لَمْ يُجْزِئْهُ فِي غَيْرِهِ وَفِي الْأَقْصَى أَجْزَأَهُ فِي الثَّلَاثَةِ وَفِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَجْزَأَهُ فِيهِ وَفِي الْحَرَامِ لَا الْأَقْصَى لِحَدِيثِ جَابِرٍ {أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْت إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْك مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ: صَلِّ هَهُنَا، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: صَلِّ هَهُنَا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: شَأْنَك إذَنْ} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد (وَمَنْ نَذَرَ) اعْتِكَافًا وَنَحْوَهُ (زَمَنًا مُعَيَّنًا) كَعَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ مَثَلًا (شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ دُخُولِهِ) أَيْ الْمُعَيَّنِ فَيَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الْعِشْرِينَ لِأَنَّ أَوَّلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، كَحُلُولِ دُيُونٍ وَوُقُوعِ عِتْقٍ، وَطَلَاقِ مُعَلَّقَةٍ بِهِ (وَتَأَخَّرَ) عَنْ الْخُرُوجِ (حَتَّى يَنْقَضِيَ) بِأَنْ تَغْرُبَ شَمْسُ آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ نَصًّا لِيَسْتَوْفِيَ جَمِيعَهُ. (وَ) مَنْ نَذَرَ زَمَنًا مُعَيَّنًا صَوْمًا أَوْ اعْتِكَافًا وَنَحْوَهُ (تَابَعَ) وُجُوبًا (لَوْ أَطْلَقَ) فَلَمْ يُقَيِّدْ بِالتَّتَابُعِ لَا بِلَفْظِهِ، وَلَا بِنِيَّتِهِ لِفَهْمِهِ مِنْ التَّعَيُّنِ (وَ) مَنْ (نَذَرَ) أَنْ يَصُومَ أَوْ يَعْتَكِفَ وَنَحْوَهُ (عَدَدًا) مِنْ أَيَّامٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ (فَلَهُ) أَيْ النَّاذِرُ (تَفْرِيقُهُ) أَيْ الْعَدَدِ وَلَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَالْأَيَّامُ الْمُطْلَقَةُ تُوَحَّدُ بِدُونِ تَتَابُعٍ (مَا لَمْ يَنْوِ) فِي الْعَدَدِ (تَتَابُعًا) فَيَلْزَمُهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا (وَلَا تَدْخُلُ لَيْلَةُ يَوْمٍ نَذَرَ) اعْتِكَافَهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْيَوْمُ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ (كَ) مَا لَا يَدْخُلُ (يَوْمُ لَيْلَةٍ) نَذَرَ اعْتِكَافَهَا لِأَنَّ الْيَوْمَ لَيْسَ مِنْ اللَّيْلَةِ (وَمَنْ نَذَرَ) أَنْ يَعْتَكِفَ وَنَحْوَهُ (يَوْمًا لَمْ يَجُزْ تَفْرِيقُهُ بِسَاعَاتٍ مِنْ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ التَّتَابُعُ كَقَوْلِهِ " مُتَتَابِعًا " وَإِنْ قَالَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا مِنْ وَقْتِي هَذَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْغَدِ لِتَعْيِينِهِ ذَلِكَ بِنَذْرِهِ وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَبَدَأَ لَيْلًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَفِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ اعْتَكَفَ الْبَاقِيَ مِنْهُ بِلَا قَضَاءٍ وَمَعَ عُذْرٍ يَمْنَعُ الِاعْتِكَافَ حَالَ قُدُومِهِ، يَقْضِي بَاقِيَ الْيَوْمِ وَيُكَفِّرُ (وَمَنْ نَذَرَ) أَنْ يَعْتَكِفَ وَنَحْوَهُ (شَهْرًا مُطْلَقًا) فَلَمْ يُعَيِّنْ كَوْنَهُ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرَهُ (تَابَعَ) وُجُوبًا، لِاقْتِضَائِهِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا شَهْرًا، وَكَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَنَحْوِهِ (وَمَنْ نَذَرَ) أَنْ يَعْتَكِفَ وَنَحْوَهُ (يَوْمَيْنِ) فَأَكْثَرَ مُتَتَابِعَةً (أَوْ) نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ وَنَحْوَهُ (لَيْلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ) كَثَلَاثَةٍ أَوْ عَشْرٍ (مُتَتَابِعَةٍ لَزِمَهُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ) أَيْ الْأَيَّامُ (مِنْ لَيْلٍ) إنْ كَانَ النَّذْرُ أَيَّامًا (أَوْ) مَا بَيْنَ اللَّيَالِي مِنْ (نَهَارٍ) إنْ كَانَ الْمَنْذُورُ لَيَالِيَ، تَبَعًا لِوُجُوبِ التَّتَابُعِ.
يَحْرُمُ خُرُوجُ مِنْ أَيْ مُعْتَكَفٍ لَزِمَهُ تَتَابُعٌ لِتَقْيِيدِهِ نَذْرَهُ بِالتَّتَابُعِ، أَوْ نِيَّتِهِ، لَهُ أَوْ إتْيَانِهِ بِمَا يَقْتَضِيهِ كَشَهْرٍ (مُخْتَارًا ذَاكِرًا) لِاسْتِكَافَةٍ فَلَا يَحْرُمُ خُرُوجُهُ مُكْرَهًا بِلَا حَقٍّ أَوْ نَاسِيًا (إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ، كَإِتْيَانِهِ بِمَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ لِعَدَمِ) مَنْ يَأْتِيهِ بِهِ نَصًّا (وَكَقَيْءِ بَغْتَةٍ أَوْ غُسْلِ مُتَنَجِّسٍ يَحْتَاجُهُ وَكَبَوْلٍ وَغَائِطٍ وَطَهَارَةٍ وَاجِبَةٍ) كَوُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَلَوْ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِمُحْدِثٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ {السُّنَّةُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَتْ أَيْضًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحَاجَةُ الْإِنْسَانِ: الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ لِاحْتِيَاجِ كُلِّ إنْسَانٍ إلَى فِعْلِهِمَا (وَلَهُ) أَيْ الْمُعْتَكِفُ، إذَا خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ (الْمَشْيُ عَلَى عَادَتِهِ) فَلَا يَلْزَمُهُ مُخَالَفَتُهَا فِي سُرْعَةٍ. (وَ) لَهُ (قَصْدُ بَيْتِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَلِيقُ بِهِ بِلَا ضَرَرٍ وَلَا مِنَّةٍ) كَسِقَايَةٍ وَلَا يَحْتَشِمُ مِثْلُهُ مِنْهَا وَلَا نَقْصَ عَلَيْهِ وَإِنْ بَذَلَ لَهُ صَدِيقٌ أَوْ غَيْرُهُ مَنْزِلَهُ الْقَرِيبَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيَقْصِدُ أَقْرَبَ مَنْزِلَيْهِ وُجُوبًا، لِدَفْعِ حَاجَةٍ بِهِ بِخِلَافِ مَنْ اعْتَكَفَ فِي مَسْجِدٍ أَبْعَدَ مِنْهُ، لِعَدَمِ تَعَيُّنِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ دُخُولِهِ لِلِاعْتِكَافِ (وَ) لَهُ (غُسْلُ يَدِهِ بِسُجَّدٍ فِي إنَاءٍ مِنْ وَسَخٍ وَزَفَرٍ وَنَحْوِهِمَا) كَقِيَامٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ وَيُفْرِغُ الْإِنَاءَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُصَلِّينَ بِهِ وَلَا يَخْرُجُ لِذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ مِنْهُ بُدًّا وَ(لَا) يَجُوزُ لِمُعْتَكِفٍ، وَلَا غَيْرِهِ (بَوْلٌ، وَ) لَا (فَصْدٌ، وَ) لَا (حِجَامَةٌ بِإِنَاءٍ فِيهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ، (أَوْ فِي هَوَائِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لِذَلِكَ فَوَجَبَتْ صِيَانَةُ الْمَسْجِدِ عَنْهُ، وَهَوَاهُ كَقَرَارِهِ وَلِمُسْتَحَاضَةٍ اعْتِكَافٌ مَعَ أَمْنِ تَلْوِيثِهِ فَإِنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ خَرَجَتْ، لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُهَا التَّحَرُّزَ إلَّا بِتَرْكِ الِاعْتِكَافِ (وَكَجُمُعَةٍ وَشَهَادَةٍ) تَحَمُّلًا وَأَدَاءً (لَزِمَتَاهُ) لِوُجُوبِهَا بِأَصْلِ الشَّرْعِ فَيَخْرُجَ لَهُمَا (وَكَمَرِيضٍ وَجِنَازَةٍ تَعَيَّنَ خُرُوجٌ إلَيْهِمَا) قِيَاسًا عَلَى الشَّهَادَةِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُعْتَكِفِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ نَذْرِ اعْتِكَافِهِ (شَرْطُ خُرُوجٍ إلَى مَا يَلْزَمُهُ) خُرُوجٌ إلَيْهِ (مِنْهُنَّ) أَيْ الْجُمُعَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْمَرِيضِ وَالْجِنَازَةِ (وَمِنْ كُلِّ قُرْبَةٍ لَمْ تَتَعَيَّنْ) عَلَيْهِ، كَزِيَارَةِ صَدِيقٍ، وَصِلَةِ رَحِمٍ (أَوْ مَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ كَ) شَرْطِ (عَشَاءٍ وَمَبِيتٍ بِمَنْزِلِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِعَقْدِهِ كَالْوَقْفِ، وَلِأَنَّهُ كَنَذْرِ مَا أَقَامَهُ وَلِتَأَكُّدِ الْحَاجَّةِ إلَيْهِمَا وَامْتِنَاعِ النِّيَابَةِ فِيهِمَا، فَعَلَيْهِ لَا يَقْضِي: زَمَنَ الْخُرُوجِ إذَا نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَصْحَابِنَا، كَمَا لَوْ عَيَّنَ الشَّهْرَ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَ(لَا) يَصِحُّ شَرْطُ (الْخُرُوجِ إلَى التِّجَارَةِ، أَوْ) شَرْطُ (التَّكَسُّبِ بِالصَّنْعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِمَا) كَالْخُرُوجِ لِمَا شَاءَ، لِأَنَّهُ يُنَافِيهِ وَإِنْ قَالَ مَتَى مَرِضْت أَوْ عَرَضَ لِي عَارِضٌ خَرَجْت فَلَهُ شَرْطُهُ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ، وَفَائِدَتُهُ: جَوَازُ التَّحَلُّلِ إذَا حَدَثَ عَائِقٌ عَنْ الْمُضِيِّ قَالَهُ الْمَجْدُ (وَسُنَّ) لِمُعْتَكِفٍ (أَنْ لَا يُبَكِّرَ) لِخُرُوجِهِ (لِجُمُعَةٍ، وَ) أَنْ (لَا يُطِيلَ الْمَقَامَ بَعْدَهَا) اقْتِصَارًا عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ (وَكَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) فِي جَوَازِ الْخُرُوجِ (تَعَيَّنَ نَفِيرٌ) لِنَحْوِ عَدُوٍّ فَجَأَهُمْ (وَ) تَعَيَّنَ (إطْفَاءُ حَرِيقٍ وَ) تَعَيَّنَ (إنْقَاذُ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ) كَرَدِّ أَعْمَى عَنْ بِئْرٍ، أَوْ حَيَّةٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ الْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ؛ إذَنْ فَمَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْلَى، وَكَذَا (مَرَضٌ شَدِيدٌ) لَا يُمْكِنُ مَعَهُ مَقَامٌ بِمَسْجِدٍ كَقِيَامِ مُتَدَارِكٍ وَسَلَسِ بَوْلٍ أَوْ يُمْكِنُ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ كَاحْتِيَاجٍ لِفِرَاشٍ، أَوْ مَرَضٍ (وَ) كَذَا (خَوْفٌ مِنْ فِتْنَةٍ) وَقَعَتْ (عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ) عَلَى (حُرْمَتِهِ، أَوْ) عَلَى (مَالِهِ وَنَحْوِهِ) كَنَهْبٍ بِمَحَلَّتِهِ فَلَا يَحْرُمُ خُرُوجُهُ لَهُ وَلَا يَنْقَطِعُ اعْتِكَافُهُ بِهِ لِأَنَّ مِثْلَهُ يُبِيحُ تَرْكَ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ، وَعِدَّةِ وَفَاةٍ فِي مَنْزِلٍ مَعَ وُجُوبِهِنَّ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فَمَا أَوْجَبَهُ بِنَذْرِهِ أَوْلَى وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِمَرَضٍ خَفِيفٍ، كَصُدَاعٍ وَوَجَعِ ضِرْسٍ لِأَنَّهُ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ. (وَ) كَذَا (حَاجَةُ) مُعْتَكِفٍ كَبِيرَةٌ (لِفَصْدٍ أَوْ حِجَامَةٍ) وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ كَمَرَضٍ يُمْكِنْهُ احْتِمَالُهُ. (وَ) كَذَا (عِدَّةُ وَفَاةٍ) إذَا مَاتَ زَوْجُ مُعْتَكِفَةٍ، فَلَهَا الْخُرُوجُ فِي مَنْزِلِهَا لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَكَوْنِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ آدَمِيٍّ، يَفُوتُ إذَا تُرِكَ لَا إلَى بَدَلٍ، بِخِلَافِ النَّذْرِ (وَتَحَيُّضُ) مُعْتَكِفَةٍ حَاضَتْ (بِخِبَاءٍ فِي رَحَبَتِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ غَيْرِ الْمَحُوطَةِ اسْتِحْبَابًا (إنْ كَانَتْ) لَهُ رَحَبَةٌ كَذَلِكَ (وَأَمْكَنَ) تَحَيُّضُهَا فِيهَا (بِلَا ضَرَرٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ {كُنَّ الْمُعْتَكِفَاتُ إذَا حِضْنَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِهِنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَأَنْ يَضْرِبْنَ الْأَخْبِيَةَ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ، حَتَّى يَطْهُرْنَ} رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ (وَإِلَّا) يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ رَحَبَةٌ، أَوْ كَانَتْ فِيهِ ضَرَرٌ، تَحَيَّضَتْ (بِبَيْتِهَا) لِأَنَّهُ أَوْلَى فِي حَقِّهَا إلَى أَنْ تَطْهُرَ، فَتَعُودَ وَتُتِمَّ اعْتِكَافَهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا إلَّا الْقَضَاءَ أَيَّامَ حَيْضِهَا (وَكَحَيْضٍ) فِيمَا تَقَدَّمَ (نِفَاسٌ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ (وَيَجِبُ) عَلَى مُعْتَكِفٍ (فِي) اعْتِكَافٍ (وَاجِبٍ) خَرَجَ لِعُذْرٍ يُبِيحُهُ (رُجُوعٌ) إلَى مُعْتَكَفِهِ (بِزَوَالِ عُذْرٍ) لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ (فَإِنْ أَخَّرَ) رُجُوعَهُ (عَنْ وَقْتِ إمْكَانِهِ) أَيْ الرُّجُوعِ وَلَوْ يَسِيرًا (فَكَمَا لَوْ خَرَجَ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ) يَبْطُلُ مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِ، وَيَأْتِي (وَلَا يَضُرُّ تَطَاوُلُ) عُذْرٍ (مُعْتَادٍ، وَهُوَ) أَيْ الْمُعْتَادُ (حَاجَةُ الْإِنْسَانِ) وَهُوَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ (وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجُمُعَةِ) فَلَا يَقْضِيَ زَمَنَهَا فَإِنَّهُ كَالْمُسْتَثْنَى لِكَوْنِهِ مُعْتَادًا وَلَا كَفَّارَةَ (وَيَضُرُّ) تَطَاوُلٌ (فِي) عُذْرٍ (غَيْرِ مُعْتَادٍ، كَنَفِيرٍ وَنَحْوِهِ) كَغَسْلِ مُتَنَجِّسٍ يَحْتَاجُهُ، وَقَيْءٍ بَغْتَةً، وَإِنْجَاءِ غَرِيقٍ وَإِطْفَاءِ حَرِيقٍ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ يُؤَثِّرْ، وَإِنْ تَطَاوَلَ (فَفِي نَذْرٍ مُتَتَابِعٍ) كَشَهْرٍ (غَيْرِ مُعَيَّنٍ يُخَيَّرُ بَيْنَ بِنَاءٍ) عَلَى مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِ (وَقَضَاءِ) فَائِتٍ (مَعَ) إخْرَاجِ (كَفَّارَةِ يَمِينٍ) لِأَنَّ النَّذْرَ حَلْفَةٌ وَلَمْ يُفْعَلْ عَلَى وَجْهِهِ (أَوْ اسْتِئْنَافِ) الْمَنْذُورِ مِنْ أَوَّلِهِ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ عَلَى وَجْهِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَسْبِقْهُ اعْتِكَافٌ (وَفِي) نَذْرِ (مُعَيَّنٍ) كَشَهْرِ رَمَضَانَ (يَقْضِي) مَا فَاتَهُ مِنْهُ بِخُرُوجِهِ (وَيُكَفِّرُ) كَفَّارَةَ يَمِينٍ، لِتَرْكِهِ الْمَنْذُورَ فِي وَقْتِهِ (وَفِي) نَذْرِ (أَيَّامٍ مُطْلَقَةٍ) كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يَقُلْ: مُتَتَابِعَةٍ وَلَمْ يَنْوِهِ تَمَّمَ مَا بَقِيَ مِنْهَا بِالِاعْتِكَافِ فِيهِ (بِلَا كَفَّارَةٍ) لِأَنَّهُ أَتَى بِالنَّذْرِ عَلَى وَجْهِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَخْرُجْ (لَكِنَّهُ لَا يَبْنِي عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ الْيَوْمِ) الَّذِي خَرَجَ فِيهِ، بَلْ يَسْتَأْنِفُ بَدَلَهُ يَوْمًا كَامِلًا لِئَلَّا يُفَرِّقَهُ.
وَإِنْ خَرَجَ مُعْتَكِفٌ لِمَا أَيْ أَمْرٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ (فَبَاعَ أَوْ اشْتَرَى) وَلَمْ يُعَرِّجْ أَوْ يَقِفْ لِذَلِكَ حَازَ (أَوْ سَأَلَ عَنْ مَرِيضٍ، أَوْ) عَنْ (غَيْرِهِ) أَيْ الْمَرِيضِ (وَلَمْ يُعَرِّجْ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: عَرَّجَ تَعْرِيجًا، مَيَّلَ وَأَقَامَ وَحَبَسَ الْمَطِيَّةَ عَلَى الْمَنْزِلِ (أَوْ يَقِفْ لِذَلِكَ) جَازَ قَالَ فِي شَرْحِهِ: لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَفْعَلُهُ " وَعَنْ عَائِشَةَ: {إنِّي كُنْت لَأَدْخُلُ الْبَيْتَ، وَالْمَرِيضُ فِيهِ، فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إلَّا وَأَنَا مَارَّةٌ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ بِهِ شَيْئًا مِنْ اللُّبْثِ الْمُسْتَحَقِّ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَ أَوْ رَدَّهُ فِي مُرُورِهِ (أَوْ) خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، (دَخَلَ مَسْجِدًا يُتِمُّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ أَقْرَبَ إلَى مَحَلِّ حَاجَتِهِ مِنْ) الْمَسْجِدِ (الْأَوَّلِ) الَّذِي كَانَ فِيهِ (جَازَ) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِصَرِيحِ النَّذْرِ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ بِشُرُوعِهِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ بِهِ لُبْثًا مُسْتَحَقًّا أَشْبَهُ مَا لَوْ انْهَدَمَ الْأَوَّلُ أَوْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ سُلْطَانٌ، فَخَرَجَ إلَى الْآخَرِ وَأَتَمَّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ (وَإِنْ كَانَ) الْمَسْجِدُ الَّذِي دَخَلَهُ (أَبْعَدَ) مِنْ مَحَلِّ حَاجَتِهِ مِنْ الْأَوَّلِ بَطَلَ (أَوْ خَرَجَ إلَيْهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ الثَّانِي (ابْتِدَاءً) بِلَا عُذْرٍ بَطَلَ (أَوْ تَلَاصَقَا) أَيْ الْمَسْجِدَانِ (وَمَشَى فِي انْتِقَالِهِ) بَيْنَهُمَا (خَارِجًا عَنْهُمَا بِلَا عُذْرٍ) بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِتَرْكِهِ لُبْثًا مُسْتَحَقًّا فَإِنْ لَمْ يَمْشِ خَارِجًا عَنْهُمَا فِي انْتِقَالِهِ لِلثَّانِي لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ (أَوْ خَرَجَ) مُعْتَكِفٌ مِنْ مَسْجِدٍ (لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ، وَأَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ) أَيْ الْحَقِّ عَلَيْهِ بِلَا خُرُوجٍ مِنْ مَسْجِدٍ، فَلَمْ يَفْعَلْ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّ لَهُ بُدًّا مِنْ أَنْ لَا يَخْرُجَ (أَوْ سَكِرَ) مُعْتَكِفٌ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَلَوْ لَيْلًا لِخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ شَرِبَ خَمْرًا وَلَمْ يَسْكَرْ، أَوْ أَتَى كَبِيرَةً فَقَالَ الْمَجْدُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي: لَا يُفْسِدُ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَالْمُقَامِ فِيهِ (أَوْ ارْتَدَّ) مُعْتَكِفٌ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} وَلِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْعِبَادَةِ وَكَالصَّوْمِ (أَوْ خَرَجَ) الْمُعْتَكِفُ (كُلُّهُ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، وَلَوْ قَلَّ) زَمَنُ خُرُوجِهِ (بَطَلَ) اعْتِكَافُهُ لِتَرْكِ اللُّبْثِ بِلَا حَاجَةٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ طَالَ فَإِنْ خَرَجَ بَعْضُ جَسَدِهِ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ نَصًّا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي رَأْسَهُ إلَيَّ فَأُرَجِّلُهُ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَيَسْتَأْنِفُ) اعْتِكَافَهُ عَلَى صِفَةِ مَا بَطَلَ فَإِنْ كَانَ (مُتَتَابِعًا بِشَرْطٍ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً أَوْ شَهْرًا (أَوْ) مُتَتَابِعًا بِ (نِيَّةٍ) كَأَنْ نَذَرَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَنَوَاهَا مُتَتَابِعَةً، ثُمَّ شَرَعَ وَبَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَنْذُورِ عَلَى صِفَةٍ تَلْزَمُهُ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ (إنْ كَانَ) فِعْلُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُبْطِلَاتِ حَالَ كَوْنِهِ (عَامِدًا مُخْتَارًا أَوْ مُكْرَهًا بِحَقٍّ وَلَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَنْذُورِهِ عَلَى صِفَتِهِ (وَيَسْتَأْنِفُ) نَذْرًا (مُعَيَّنًا قُيِّدَ بِتَتَابُعٍ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَ الْمُحَرَّمِ مُتَتَابِعًا (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِتَتَابُعٍ، كَأَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْمُحَرَّمَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ لِدَلَالَةِ التَّعْيِينِ عَلَيْهِ (وَيُكَفِّرُ) فِي الصُّورَتَيْنِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ (وَيَكُونُ قَضَاءُ كُلٍّ) مِنْ الْمُتَتَابِعِ بِشَرْطٍ أَوْ نِيَّةٍ وَالْمُعَيَّنِ. (وَ) يَكُونُ (اسْتِئْنَافُهُ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (عَلَى صِفَةِ أَدَائِهِ فِيمَا يُمْكِنُ) فَإِنْ شَرَطَ فِي الْأَوَّلِ صَوْمًا أَوْ عَيَّنَهُ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَنَحْوِهِ كَانَ قَضَاؤُهُ وَاسْتِئْنَافُهُ كَذَلِكَ (وَيَفْسُدُ) اعْتِكَافُهُ (إنْ وَطِئَ) مُعْتَكِفٌ فِيهِ (وَلَوْ نَاسِيًا) نَصًّا (فِي فَرْجٍ) لِمَا رَوَى حَرْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {إذَا جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَاسْتَأْنَفَ الِاعْتِكَافَ} وَلِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ تَفْسُدُ بِالْوَطْءِ عَمْدًا فَكَذَلِكَ سَهْوًا، كَالْحَجِّ (أَوْ أَنْزَلَ) مُعْتَكِفٌ (بِمُبَاشَرَةٍ دُونَهُ) أَيْ الْفَرْجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ كَاللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ (وَيُكَفِّرُ) كَفَّارَةَ يَمِينٍ وُجُوبًا (لِإِفْسَادِ نَذْرِهِ) وَ(لَا) يُكَفِّرُ (لِوَطْئِهِ) إنْ كَانَ اعْتِكَافُهُ نَفْلًا كَبَقِيَّةِ النَّوَافِلِ وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَرِدْ بِهَا.
يُسَنُّ تَشَاغُلُهُ أَيْ الْمُعْتَكِفُ بِالْقُرَبِ كَقِرَاءَةٍ وَصَلَاةٍ وَذِكْرٍ، (وَ) سُنَّ لَهُ (اجْتِنَابُ مَا لَا يَعْنِيهِ) لِحَدِيثِ {مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ} وَلَا بَأْسَ أَنْ تَزُورَهُ زَوْجَتُهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَتَتَحَدَّثَ مَعَهُ، وَتُصْلِحَ رَأْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ بِلَا الْتِذَاذٍ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ مَعَ مَنْ يَأْتِيهِ مَا لَمْ يَكْثُرْ وَيَأْمُرُ بِمَا يُرِيدُ خَفِيفًا وَ(لَا) يُسَنُّ لَهُ (إقْرَاءُ قُرْآنٍ، وَ) لَا إقْرَاءُ (عِلْمٍ وَمُنَاظَرَةٍ فِيهِ) أَيْ الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {كَانَ يَعْتَكِفُ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ الِاشْتِغَالُ بِغَيْرِ الْعِبَادَاتِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ} وَكَالطَّوَافِ (وَيُكْرَهُ الصَّمْتُ إلَى اللَّيْلِ، وَإِنْ نَذَرَهُ) أَيْ الصَّمْتَ (لَمْ يَفِ بِهِ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ {لَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا أَبُو إسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ فِي الشَّمْسِ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ، وَلَا يَتَكَلَّمَ، وَأَنْ يَصُومَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرُوهُ فَلْيَسْتَظِلَّ، وَلْيَتَكَلَّمْ، وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ " مَنْ صَمَتَ نَجَا " أَيْ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ وَمَتَى لَمْ يَفِ كَفَّرَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي نَذْرِ الْمَكْرُوهِ (وَيَحْرُمُ جَعْلُ الْقُرْآنِ بَدَلًا عَنْ الْكَلَامِ) كَقَوْلِكَ لِمَنْ اسْمُهُ يَحْيَى: يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ أَشْبَهَ اسْتِعْمَالَ الْمُصْحَفِ فِي التَّوَسُّدِ (وَيَنْبَغِي لِمَنْ قَصَدَ الْمَسْجِدَ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ مُدَّةَ لُبْثِهِ فِيهِ) لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ صَائِمًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَظَّفَ الْمُعْتَكِفُ وَيُكْرَهُ لَهُ التَّطَيُّبَ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ رَفِيعِ الثِّيَابِ، وَالتَّلَذُّذِ بِمَا يُبَاحُ لَهُ قَبْلَ الِاعْتِكَافِ وَأَنْ لَا يَنَامَ إلَّا عَنْ غَلَبَةٍ وَلَوْ مَعَ قُرْبِ مَاءٍ، وَأَنْ لَا يَنَامَ مُضْطَجِعًا، بَلْ مُتَرَبِّعًا مُسْتَنِدًا وَلَا يُكْرَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَخْذُ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ فِي الْمَسْجِدِ نَصًّا قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: مَنَعَ صِحَّتَهُ وَجَوَّزَهُ أَحْمَدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ.
|